علیّون فی انتظار الأبرار

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 15
سورة المطفّفین / الآیة 18 ـ 28 1ـ من هم «الأبرار» و«المقرّبین»؟

بعد أن تحدثت الآیات السابقة عن الفجّار وکتابهم وعاقبة أمرهم، ینتقل الحدیث فی هذه الآیات للطرف المقابل لهؤلاء، فتتحدث عن الأبرار الصالحین وما سیؤلون إلیه من حسن مآب، ویبدأ الحدیث بالقول: (کلاّ إنّ کتاب الأبرار لفی علّیین).

«علیّین»: جمع (علیّ) على وزن (ملّی)، وهو المکان المرتفع، أو الشخص الجالس فی مکان مرتفع، ویطلق أیضاً على ساکنی قمم الجبال.

وقد فُسِّر فی الآیة بـ (أشرف الجنان) أو (أعلى مکان فی السماء).

وقیل: إنّما استعمل اللفظ بصیغة الجمع للتأکید على معنى (العلو فی علو).

وعلى أیّة حال، فما عرضناه بخصوص تفسیر «سجّین» یصدق على «علیّین» أیضاً، بقولین:

الأوّل: أنّ المقصود من «کتاب الأبرار» هو صحیفة أعمال الصالحین والمؤمنین، فجمیع الأعمال تجمع فی هذا الدیوان العام، وهو دیوان عالی المقام وشریف القدر.

الثّانی: أنّ صحیفة أعمال الأبرار تکون فی أشرف مکان، أو فی أعلى مکان فی الجنّة، وهذا یکشف عن علو شأنهم ورفعة کرامتهم عند اللّه عزّوجلّ.

وجاء فی الحدیث النّبوی الشریف: «علیّون فی السماء السابعة تحت العرش»(1).

وهذا بالضبط هو المحل المضاد تماماً لمحل صحیفة أعمال «الفجار»، حیث وضعت فی أسفل طبقات جهنم.

وذهب قسم من المفسّرین إلى أنّ الـ «کتاب» هنا یرمز لمعنى (المصیر)، أو (الحکم القطعی الإلهی) بخصوص نیل الصالحین درجات الجنّة العلُى.

ولا یضرّ من الجمع بین التّفسیرین، فأعمال الأبرار مجموعة فی دیوان عام، ومحل ذلک الدیوان فی أعلى نقطة من السماء، ویکون الحکم والقضاء الإلهی کذلک مبنیٌّ على کونهم فی أعلى درجات الجنّة.

ولأهمّیة وعظمة شأن «علیّین».. تأتی الآیة التالیة لتقول: (وما أدراک ما علیّون* کتاب مرقوم)، إنّه مقام من المکانة بحیث یتجاوز حدود التصور والخیال والقیاس والظن، بل وحتى أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) وعلى ما له من علو شأن ومرتبة مرموقة،  فلا یستطیع من تصور حجم أبعاد عظمته.

ویبدأ البیان القرآنی بتقریب ألـ «علیّین» إلى الأذهان: «کتاب مرقوم».

وهذا على ضوء تفسیر «علیّین» بالدیوان العام لأعمال الأبرار، أمّا على ضوء التّفسیر الآخر فسیکون معنى الآیة: إنّه المصیر الحتمی الذی قرره اللّه وسجّله لهم، بأن یکون محلهم فی أعلى درجات الجنّة، (بناء على هذا التّفسیر فستکون الآیة «کتاب مرقوم» مفسّرة لکتاب الأبرار ولیس لعلیّین).

وکذلک: (یشهده المقرّبون) أی یشاهدونه، أو علیه یشهدون علیه.

ثمّة من ذهب إلى أنّ «المقربون» فی الآیة، هم ملائکة مقرّبون عند اللّه عزّوجلّ، ینظرون إلى دیوان أعمال الصالحین، أو ینظرون إلى مصیرهم المحتوم.

ولکنّ الآیات التالیة تظهر بوضوح بأنّ المقرّبین، هم نخبة عالیة من المؤمنین لهم مقام مرموق، وبأمکانهم مشاهدة صحیفة أعمال الأبرار والصالحین.

ویمکن أن نستفید هذا المعنى من الآیتین 10 و11 من سورة الواقعة: (والسابقون السابقون * اُولئک المقرّبون)... ومن الآیة 89 من سورة النحل: (ویوم نبعث فی کلّ اُ مّة شهیداً علیهم من أنفسهم وجئنا بک شهیداً على هؤلاء).

وینتقل الحدیث إلى عرض بعض جوانب جزاء الأبرار: (إنّ الأبرار لفی نعیم).

«النعیم»: هو النعمة الکثیرة ـ على قول الراغب فی مفرداته ـ، وجاءت بصیغة نکرة لتعظیم شأنها، أی إنّهم فی نعیم مادی ومعنوی لا حَدّ لوصفه.

وینقلنا البیان القرآنی لجوانب من نعیم الأبرار: (على الأرائک ینظرون).(2)

«الأرائک»: جمع (أریکة)، وهی سریر مُنَجّد مزّین خاص بالملوک، أو سریر فی حجلة، وجاءت فی الآیة بمعنى، الأسرة المزینة التی یتکیء علیها أهل الجنّة.

وثمّة من یذهب إلى أنّها معربة من «اُرک» بمعنى قصر الملک فی الفارسیة، أو القلعة فی وسط المدینة، وبما أنّ القلعة فی وسط المدینة تکون للملوک عادة اطلق علیها هذه الکلمة، أو بمعنى عرش السلطان الذی یقال عنه بالفارسیة «أراک»، ثمّ سمّیت العاصمة به (أراک) و«عراق» معرب «أراک» بمعنى مقر السلطان.

فیما یقول آخرون أنّها من (الأراک) وهو شجر معروف تصنع منه الأسرّة، وقیل أیضاً، إنّما سمّیت بذلک لکونها مکاناً للإقامة من (الأروک) وهو الإقامة.(3)

وجاءت «ینظرون» مطلقة، لإعطاء مفهوم السعة والشمول، فمسموح لهم النظر إلى لطف الباری وجماله، وإلى نعم الجنّة الباهرة، وإلى ما أودع فیها من رونق وبهاء... وذلک لأنّ لذة النظر من اللذائذ الإنسانیة التی تدخل الغبطة والسرور فی الإنسان بشکل کبیر وملموس.

ثمّ یضیف: (تعرف فی وجوههم نضرة النعیم).

إشارة إلى أنّ ما یبدی على وجوههم من علائم النشاط والسرور والغبطة، إن هو إلاّ إنعکاس لسعادتهم الحقّة، بعکس أهل جهنّم الذین لا یبدو على وجوههم إلاّ علائم الغم والحسرة والندم والشقاء.

«نضرة»: إشارة إلى النشاط والأریحیة التی تظهر على وجوههم. (کما أسلفنا القول).

وبعد ذکر نِعَم: «الأرائک»، «النظر»، «الإطمئنان والسعادة»..تذکر الآیة التالیة نعمة شراب الجنّة، فتقول: (یسقون من رحیق مختوم).

إنّه لیس کشراب أهل الدنیا الشیطانی، بما یحمل من خبث دافع إلى المعاصی والجنون، بل هو شراب طاهر یذکی العقول ویدب النشاط والصفاء فی شاربه.

و«الرحیق» ـ کما اعتبره المفسّرین ـ : هو الشراب الخالص الذی لا یشوبه أیَّ غش أو تلوث.

و«مختوم»: إشارة إلى أنّه أصلی ویحمل کلّ صفاته الممیزة عن غیره من الأشربة ولا یجاریه شراب قطّ، وهذا بحدّ ذاته تأکید آخر على خلوص الشراب وطهارته.

والختم بالصورة المذکورة یظهر مدى الإحترام الخاص لأهل الجنّة، حیث إنّ ذلک الإحکام وتلک الأختام مختصة لهم، ولا یفتحها أحد سواهم.(4)

وتقول الآیة التالیة: (ختامه مسک و فی ذلک فلیتنافس المتنافسون).

فختامه لیس کختوم أهل الدنیا التی تلوث الأیدی، وأقل ما فیها أنّها فی حال فتحها ترمى فی سلة الأوساخ، بل هو شراب طاهر مختوم، وإذا ما فتح ختمه فتفوح رائحة المسک منه!

وقیل: «ختامه» یعنی (نهایته)، فعندما ینتهی من شرب الرحیق، ستفوح من فمه رائحة المسک، على خلاف أشربة أهل الدنیا، التی لا تترک فی الفم إلاّ المرارة والرائحة الکریهة، ولکنّه بعید بملاحظة الآیة السابقة.

ویقول العلاّمة الطبرسی فی (مجمع البیان): «التنافس»: تمنّی کلّ واحد من النفسین مثل الشیء النفیس الذی للنفس الاُخرى أن یکون له.

وفی (مجمع البحرین): نافست فی الشیء: إذا رغبت فیه على وجه المبارات فی الکرم، (سباق سالم ونزیه).

وفی (مفردات الراغب): «المنافسة»: مجاهدة النفس للتشبّه بالأفاضل واللحوق بهم من غیر إدخال ضرر على غیره.

وجاء مضمون الآیة فی الآیة 21 من سورة الحدید: (سابقوا إلى مغفرة من ربّکم وجنّة عرضها کعرض السماء والأرض)، وما جاء فی الآیة 133 من سورة آل عمران: (وسارعوا إلى مغفرة من ربّکم وجنّة عرضها السماوات والأرض).

وعلى آیة حال، فدقّة تعبیر الآیة وشفافیته، من أجمل تعابیر التشجیع للوصول إلى النعیم الخالد، من خلال ترسیخ الإیمان فی القلوب وتجسید الأعمال الصالحة على سوح الواقع، والآیة قطعة بلاغیة رائعة.(5) (6)

ونصل لآخر وصف شراب الأبرار فی الجنّة: (ومزاجه من تسنیم) أی أنّه ممزوج بالتسنیم، (عیناً یشرب بها المقرّبون)(7).

ومن خلال الآیتین أعلاه، یتّضح لنا بأنّ «التسنیم» هو أشرف شراب فی الجنّة، و«المقرّبون» یشربون منه بشکل خالص، فیما یشربه «الأبرار» ممزوجاً بالرحیق المختوم.

أمّا وجه تسمیة ذلک الشراب أو العین بـ «تسنیم»، (علماً بأنّ التسنیم فی اللغة هو عین ماء یجری من علو إلى أسفل)، فقد قال البعض فیه: إنّه شراب خاص موجود فی الطبقات العلیا من الجنّة.. وقال آخرون: إنّه نهر یجری فی الهواء فینصب فی أوانی أهل الجنّة.

والحقیقة، فللجنّة ألوان من الأشربة، منها ما یجری على صورة أنهار، کما تشیر إلى ذلک آیات قرآنیة کثیرة(8)، ومنها یُقدّم فی کؤوس مختومة، کما فی الآیات أعلاه، ویأتی ألـ «تسنیم» فی قمّة أشربة الجنّة، وله من العطاء على روح شاربه ما لا یوصف بوصف أبداً.

ونعود لنکرر القول مرّة آُخرى: إنّ حقیقة النعم الإلهیّة فی عالم الآخرة لا یمکن لأیّ کان من أن یتکلم عنها بلسان أو یوصفها بقلم أو یتصورها فی ذهن، وکلّ ما یقال عنها لا یتعدى عن کونه صوراً تقریبیة على ضوء ما یناسب محدودیة الإنسان.

والآیة 17 من سورة السجدة: (فلا تعلم نفس ما اُخفى لهم من قرّة أعین) خیر دلیل على ذلک.


1. تفسیر القرطبی، ج 10، ص 7053; ومجمع البحرین، مادة (علو).
2. المبتدأ محذوف فی الآیة، التقدیر: (هم على الأرائک ینظرون)«ینظرون»، حال، أو أن جملة (على الأرائک) خبر ثان، نسبة إلى «إنّ» الواردة فی الآیة السابقة.
3. لمزید من الإیضاح... راجع مفردات الراغب، ولسان العرب مادة (أرک).
4. عملیة ختم الأشیاء (کانت ولا زالت)، تستعمل للإطمئنان على سلامة تلک الأشیاء من التلاعب بها، فمثلاً.. لکی یُطمأن على سلامة وصول شیء معین إلى صاحبه المراد، فإنّه یوضع فی ظرف خاص مغلق، وإذا ما کان الشیء بدرجة عالیة من الأهمیة، فلا یکتفی بالغلق، بل یربط بسلک أو ما شابه ومن ثمّ یوضع على عقدته شیء من الشمع أو الطین ویختم بختم معین، کل ذلک للتأکید من وصوله إلى المراد بدون أن تمتد إلیه ید التلاعب.
5. یتّضح من تفسیر الآیة، أنّ اسم الإشارة «ذلک» یعود على جمیع نعم الجنّة، وشرابها بالذات لما وصف فیه فی الآیة.
6.«الواو» و«الفاء» فی (وفی ذلک فلیتنافس المتنافسون)، کلاهما حرف عطف، وإذا ما سئل عن علة وجودهما معاً، فالجواب هو: یوجد شرط محذوف، والتقدیر: (وإن اُرید تنافس فی شیء فلیتنافس فی ذلک المتنافسون)، فحذفت أداة الشرط والجملة الشرطیة وقدمت «فی ذلک».
7. قیل فی سبب نصب «عیناً» عدّة وجوه... منها: لأنّها حال التسنیم، تمییز، مدح واختصاص.. والتقدیر: (أعنی).
و«الباء» فی «بها» زائدة، أو بمعنى «من» وهو الأنسب.
8. محمّد، 15.
سورة المطفّفین / الآیة 18 ـ 28 1ـ من هم «الأبرار» و«المقرّبین»؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma