قسماً بالمجاهدین الواعین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 15
سبب النّزول1ـ ارتباط قسم هذه السّورة بأهدافها

قلنا إنّ هذه السّورة تبدأ بالقسم بأمور محفّزة منبّهة، تقسم أولا بالخیول الجاریة المندفعة (إلى میدان الجهاد) وهی تحمحم وتتنفس بشدّة:

(والعادیات ضبح).(1)

ویمکن أن یکون القسم هذا بإبل الحجاج المتجهة من عرفات إلى المشعر الحرام، ومن المشعر الحرام إلى منى وهی تتنفس بشدّة.

«العادیات» جمع عادیة، من «العدو»، وهو المغادرة والإبتعاد بالقلب. فتکون «العداوة» أو بالحرکة الخارجیة فیکون (العدو) وهو الرکض، أو بالمعاملات فیسمى (العدوان). و«العادیات» فی الآیة هی الجاریات بسرعة، «الضبح» صوت الخیل وهی تتنفس بشدّة عند الجری.

کما ذکرنا من قبل لهذه الآیة تفسیران:

الأوّل: أنّ المقسوم به فی الآیة الخیل السریعة الجری نحو میدان الجهاد.

ولما کان الجهاد أمراً مقدساً، فهذه الحیوانات فی جریها فی هذا المسیر المقدس تنال من المکانة واللیاقة ما تستحق أن یُقسم بها.

الثّانی: أنّ المقسوم به الإبل الجاریة فی موسم الحج بین المواقف المشرفة وهی تنقل الحجاج. لذلک کانت ذا قداسة تستحق القسم بها.

روی عن ابن عباس قال: بینما أنا جالس فی حجر إسماعیل إذ أتانی رجل فسأل عن «العادیات ضبحاً» فقلت له: الخیل حین تغیر فی سبیل الله ثمّ تأوی إلى اللیل فیصنعون طعامهم ویورون نارهم، فانفتل عنّی وذهب إلى علی بن أبی طالب(علیه السلام) وهو تحت سقایة زمزم، فسأله عن العادیات ضبحاً، فقال: سألت عنها أحداً قبلی؟ قال: نعم، سألت عنها ابن عباس فقال: الخیل حین تغیر فی سبیل الله. قال: فاذهب فادعه لی فلمّا وقف على رأسه قال: تفتی النّاس بما لا علم لک به؟! والله إن کانت لأوّل غزوة فی الإسلام بدر، وما کانت معنا إلا فَرَسان. فرس للزبیر وفرس للمقداد بن الأسود، فکیف تکون العادیات الخیل، بل العادیات ضبحاً الإبل من عرفة إلى مزدلفة ومن مزدلفة إلى منى. قال ابن عباس فرغبت عن قولی ورجعت إلى الذی قاله علی(علیه السلام).(2)

ویحتمل أیضاً أن یکون «للعادیات» هنا معنى واسع یشمل خیول المجاهدین وإبل الحجاج، ویکون معنى روایة ابن عباس أنّه لا ینحصر المعنى بالخیول إذ لا یصدق هذا المعنى فی کل مکان، ومن مصادیقه هو إبل الحجاج.

وهذا التّفسیر أنسب من عدّة جهات.

ثمّ یأتی القَسَم التالی بهذه العادیات التی توری النیران بحوافرها:

(فالموریات قدح).

وهی خیل المجاهدین التی تجری بسرعة فائقة فی میدان القتال، بحیث تنقدح النّار من تحت أرجلها جرّاء احتکاک حوافرها بصخور الأرض.

أو هی الإبل التی تجری بین مواقف الحج، فتتطایر الحصى والحجارة من تحت أرجلها وترتطم بحصى وحجارة اُخرى فتنقدح النیران.

أو مجامیع الحجیج التی توری النّار فی المواقف للطعام.

أو کنایة عن الذین یضرمون نیران الحرب والجهاد.

أو الألسن التی تشعل النّار فی قلب الأعداء ببیانها القامع.

أو إنّها ـ کما یقول بعض المفسّرین ـ المجموعة الساعیة فی رفع حاجات النّاس، مؤدیة أهدافها. ویقال للمنجح فی حاجته: ورى زنده.

ظاهر الآیة یؤید التّفسیرین الأولین، وبقیة التفاسیر یبدو أنّها بعیدة.

«الموریات» جمع «موریة»، والإیراء یعنی أضرام النّار، و«القدح» ضرب الحجارة أو الخشب أو الحدید بما یشبهه لتولید النّار.

والقسم الثّالث بالتی تغیر صباحاً على الأعداء:

(فالمغیرات صبح).

وکانت العرب ـ کما یقول الطبرسی فی مجمع البیان ـ تقترب لیلا من منطقة العدو وتکمن له، وتشّن غارتها فی الصباح.

وفی سبب نزول الآیة (أو أحد مصادیقها الواضحة) رأینا أنّ جیوش المسلمین بقیادة علی(علیه السلام) استفادت من ظلام اللیل، واتجهت نحو معسکر الأعداء، وکمنت له، ثمّ شنت غارتها فی الصباح کالصاعقة، ودحرت العدّو قبل أن یبدی مقاومة.

ولو اعتبرنا القسم بإبل الحجاج، فالمغیرات فی الآیة هی قوافل الإبل فی صباح العید من المشعر إلى منى.

«المغیرات» جمع «مغیرة». والإغارة: الهجوم على العدو، وقیل إنّ الکلمة تتضمّن معنى الهجوم بالخیل، ولکن موارد استعمالها یبیّن أن هذا القید ـ إن کان موجوداً فی الأصل ـ فقد حذف بالتدریج.

وما أورده بعضهم من احتمال أن تکون «المغیرات» هی القبائل المهاجمة المتجهة إلى میدان القتال، أو المسرعة إلى منى، فبعید، لأنّ الآیة: (والعادیات ضبح) هی بالتأکید وصف للخیل أو الإبل، لا أصحابها، وهذه الآیة استمرار لتلک.

ثمّ تشیر الآیة التالیة إلى سرعة هذه العادیات فی هجومها، وذلک بإثارتها الغبار فی کل جانب:

(فأثرن به نقع).(3)

أو أنّ الغبار یثور من کل صوب نتیجة هجوم إبل الحجاج من المشعر الحرام على منى.

«أثرن» من الإثارة، وهی نشر الغبار والدخان فی الجو، وقد تأتی بمعنى الهیاج، أو انتشار أمواج الصوت فی الفضاء.

«النقع» هو الغبار، وأصل الکلمة انغماس الماء أو الإنغماس فی الماء والإنغماس فی التراب یشبهه، ولذلک اتخذ نفس الاسم. و«النقیع» الماء الراکد.

وفی آخر خصائص هذه «المغیرات» تذکر الآیة أنّها ظهرت بین الإعداء فی الفجر:

(فوسطن به جمع).(4)

هجومها کان مباغتاً خاطفاً بحیث استطاعت خلال لحظات أن تشق صفوف العدّو وتشن حملتها فی قلبه، وتُشّتت جمعَه. وهذا نتیجة ما تتحلّى به من سرعة ویقظة وإستعداد وشهامة وشجاعة.

أو إنّها إشارة إلى ورود الحجاج من المشعر إلى قلب منى.

وقیل إنّ المقصود محاصرة الأعداء، وهذا یصحّ لو کان الفعل «فوسّطن» بتشدید السین، والقراءة المشهورة لیست کذلک. فالصحیح هو المعنى الأوّل.

نستخلص ممّا سبق أنّ القَسَم فی الآیات بهذه الخیول التی هی أولا تسرع إلى میدان الجهاد بنَفَس شدید، ثمّ تزید سرعتها حتى یتطایر الشرر من تحت حوافرها فیشقّ عتمة اللیل... وبعدها تقترب من منطقة العدو، فتباغته، وعند انبلاج عتمة اللیل تشنّ هجوماً شدیداً یثیر الغبار فی کل جانب، ثمّ تتوغل إلى قلب العدّو وتشتت صفوفه.

القسم إذن ـ بهذه الخیول المقتدرة!... بفرسانها الشجعان!... بأنفاس مرکب المجاهدین!... بشرارات النیران المتطایرة من تحت حوافرها!... بذلک الهجوم المباغت!... بذرات الغبار المنتشرة فی الفضاء!... بدخولها قلب صفوف الأعداء وتحقیق النصر الحاسم علیهم!

هذه التعابیر ـ وإن لم ترد کلها صراحة فی الآیات ـ فهی مجموعة کلها فی الدلالات الضمنیة للکلام.

من هنا یتّضح أن الجهاد له منزلة عظیمة حتى أن أنفاس خیل المجاهدین استحقت أن یقسم بها... وهکذا الشرر المتطایر من حوافر هذه الخیول... والغبار الذی تثیره فی الجو... نعم حتى غبار ساحة الجهاد له قیمة وعظمة.

و قیل: إنّ المقصود بهذه الأقسام قد یکون النفوس التی تستطیع أن تنقل کمالها إلى الآخرین، وتقدح شرارة العلم بأفکارها، وتهجم على أهوائها النفسیة، وتثیر الشوق الإلهی فی نفسها ونفوس الآخرین، وتستقر أخیراً فی قلب سکنة العلیین.(5)

واضح أنّ هذا لا یمکن أن یعتبر تفسیراً للآیات، بل هو تشبیهات تخطر فی الذهن لمناسبة تفسیر الآیة.

ثمّ یأتی جواب القسم، ویقول سبحانه:

(إن الإنسان لربه لکنود).

نعم، الإنسان البعید عن التربیة الصحیحة... والذی لم تشرق فی قلبه أنوار المعارف الإلهیّة وتعالیم الأنبیاء... الإنسان الخاضع لأهوائه وشهواته الجامحة هو حتماً کفور بالنعمة وبخیل... إنّه لکنود.

و«کنود» اسم للأرض التی لا تنبت، وتطلق على الإنسان الکفور والبخیل أیضاً.

المفسّرون ذکروا لکلمة «کنود» معانی کثیرة، منهم «أبوالفتوح الرازی» نقل ما یقارب من خمسة عشر معنى، ولکنّها غالباً فروع للمعنى الأصلی الذی ذکرناه، من ذلک:

الکنود، الذی یهوّل من مصائبه وینسى النعم.

هو الذی یأکل نِعم الله وحده، ویمنعها عن الآخرین. وورد عن الرسول(صلى الله علیه وآله) قال: أتدرون من الکنود؟ قیل: الله ورسوله أعلم. قال: الکنود الذی یأکل وحده ویمنع رفده، ویضرب عبده.(6)

الکنود، الذی لا یواسی اخوته فی مشاکلهم ومصائبهم.

من کان خیره شحیح.

من یمنع نعمته عن الآخرین ویجزع فی المشاکل والمصائب.

من ینفق النعم الإلهیة فی المعاصی.

من ینکر نعمة الله.

وهذه المعانی ـ کما ذکرنا ـ مصادیق وتفریعات لمعنى الکفران والبخل.

کلمة (الإنسان) فی مثل هذه الاستعمالات القرآنیة تعنی الأفراد المتطبعین على الشر والشهوات الجامحة والطغیان، وقیل: إنّه الإنسان الکافر.

فهذه الصفة لا یمکن إطلاقها على مطلق الإنسان. فثمّة أفراد لیسوا بقلیلین من امتزج الشکر والعطاء بدمائهم، ورفضوا البخل والکفران، واستطاعوا بفضل الإیمان بالله أن

یتحرروا من الذاتیة والأهواء الدنیئة ویحلقوا فی أجواء معرفة اسماء الله وصفاته والتخلق بالأخلاق الإلهیّة.

(وإنّه على ذلک لشهید).

فهو بصیر بنفسه، وإن استطاع أن یخفی سریرته فلا یستطیع أن یخفیها عن الله وعن ضمیره، اعترف بهذه الحقیقة أم لم یعترف.

قیل: إنّ الضمیر فی (إنّه) یعود إلى الله، أی أنّ الله شهید على وجود صفة الکنود فی الإنسان.

ولکن الآیات السابقة واللاحقة تحمل ضمائر تعود على الإنسان، وبذا نستبعد هذا الاحتمال، وإن رجحه کثیر من المفسّرین.

واحتمل بعضهم أن یکون المعنى شهادة الإنسان على عیوبه وذنوبه یوم القیامة کما ورد فی مواضع متعددة من القرآن.

وهذا التّفسیر لا یقوم على دلیل، لأنّ مفهوم الآیة واسع یشمل شهادة الإنسان على کنوده فی هذه الدنیا أیضاً.

صحیح أنّ الإنسان یعجز أحیاناً عن معرفة نفسه، وبذلک یخدع ضمیره، وتصبح الصفات الذمیمة ـ بتسویل الشیطان وتزیینه ـ حسنة ممدوحة لدیه، ولکن صفة الکنود وهی الکفران والبخل واضحة إلى درجة لا یستطیع أن یخدع ضمیره وأن یغطی علیها.

(وإنّه لحبّ الخیر لشدید).

أی أنّه شدید الحّب للمال والمتاع.(7)

وهذا الإنشداد المفرط للمال والثروة هو سبب هذا البخل والکفران.

کلمة (الخیر) لها معنى واسع یشمل کل نعمة. کثیر من النعم مثل العلم والمعرفة والتقوى والجنّة والسعادة لیست مذمومة، ولا ینکر علیها القرآن. لذلک فسر الخیر فی الآیة بأنه (المال). یدل على ذلک قرینة المقام والآیة السابقة، وآیات أخرى کقوله سبحانه: (کتب علیکم إذا حضر أحدکم الموت إن ترک خیراً الوصیة للوالدین والأقربین).(8)

إطلاق «الخیر» على المال فی الآیة یعود إلى أنّ المال فی حد ذاته شیء حسن، ویستطیع أن یکون وسیلة لأنواع الخیرات، لکن الإنسان الکنود یصرفه عن هدفه الأصلی، وینفقه فی طریق ذاتیاته وأهوائه.

وفی استفهام استنکاری یقول سبحانه:

(أفلا یعلم إذا بعثر ما فی القبور).

(وحصل ما فی الصدور) وانکشف ما فی نفسه من کفر وایمان، وریاء واخلاص وغرور وتواضع وسائر نیات الخیر والشر.

(إنّ ربّهم بهم یومئذ لخبیر). نعم، فهو علیم بأعمالهم ونیاتهم وسیجازیهم وفقها.

«بعثر» من «البعثرة» وهی البعث والإثارة والإخراج وبعثرة ما فی القبور، بعث الموتى واخراجهم من القبور.

«ما» اسم موصول لغیر العاقل عادة، وإنّما قال سبحانه:

(ما فی القبور) إمّا لکون الأفراد أمواتاً، أو لأنّهم لا یزالون فی حالة إبهام بالنسبة لهویتهم.

والتعبیر بالقبور لا یتنافی مع عدم وجود قبر لبعض الأفراد، کالذین یغرقون فی البحر، أو المندرسة قبورهم، والمتفرق تراب رفاتهم. لأنّ أغلب النّاس لهم قبور، أضف إلى ذلک أن القبر یمکن أن یکون له معنى واسع یشمل کل محل فیه تراب جسد الإنسان، وإن لم یکن بشکل قبر اعتیادی.

«حُصّل» من التحصیل، وهو فی الأصل یعنی إخراج اللب من القشر، وکذلک تصفیة المعادن، واستخراج الذهب وأمثاله من الخامات. ثمّ استعملت لمطلق الإستخراج والفصل. والکلمة فی الآیة تعنی فصل الخیر عن الشر فی القلوب... الإیمان عن الکفر، أو الصفات الحسنة عن الصفات السیئة... أو النوایا الحسنة عن الخبیثة... تُفصل فی ذلک الیوم وتظهر، وینال کل فرد حسب ذلک جزاؤه. کما قال سبحانه فی موضع آخر: (یوم تبلى السرائر).(9)

والتعبیر بکلمة «یومئذ» یعنی أن الله (فی ذلک الیوم) خبیر بأعمال العباد وسرائرهم.

ونعلم أنّ الله سبحانه علیم دائماً بذات الصدور. فالتعبیر «یومئذ» هو لأن ذلک الیوم یوم الجزاء، والله یجازیهم على أعمالهم وعقائدهم.

هذا التعبیر ـ کما قال بعض المفسّرین ـ یشبه قول الذی یهدد شخصاً فیقول: سأعرف ماذا دهاک، فهو یعرف أمره الآن أیضاً، والقصد أنه سیریه نتیجة ذلک.

نعم، الله سبحانه علیم وخبیر بأسرارنا وما تنطوی علیه نفوسنا کاملا، لکن أثر هذا العلم سیکون أظهر وأوضح عند الجزاء، وهذا التحذیر لو دخل دائرة إیمان البشر لکان سداً منیعاً بینهم وبین الذنوب العلنیة والخفیة، والخارجیة والباطنیة، ولا یخفى على أحد ما لهذا الإعتقاد من آثار تربویة.


1. القاعدة أن تکون: «والعادیات عدواً»، ولکن «الضبح» لملازمته العدو ناب عنه، فکانت والعادیات ضبحاً. وقیل إن ضبحاً مفعول مطلق لفعل محذوف تقدیره: «والعادیات یضبحن ضبحاً».
2. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 529، وأورد القرطبی هذه الرّوایة فی تفسیره، ج10، ص7245.
3. الضمیر فی (به) یعود إلى «العدو» المذکور فی (والعادیات ضبح) فهی باء السببیة، أی بسبب هذا العدو یثور الغبار ویملا الجو، واحتمل بعضهم أن یکون مرجع الضمیر زمان أو مکان ذلک الهجوم. وتکون «الباء» عندئذ ظرفیة. والصحیح المعنى الأوّل.
4. مرجع الضمیر فی (به) ومعنى الباء هو نفسه الذی ذکرناه فی الآیة السابقة.
5. تفسیر البیضاوی، ص465.
6. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 530.
7. اللام فی «لحّب الخیر» قد تکون لام التعدیة أو لام العلة، إن کانت للتعدیة فیکون المعنى هو الذی ذکرناه، وإن کانت للتعلیل یکون المعنى: إنّ الإنسان بسبب حبّه للمال بخیل. والأوّل أنسب.
8. البقرة، 180.
9. الطارق، 9.
سبب النّزول1ـ ارتباط قسم هذه السّورة بأهدافها
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma