القرآن الکریم یذکر هذه القصّة الطویلة فی عبارات قلیلة قصیرة قارعة، وفی غایة الفصاحة والبلاغة، ویرکز على نقاط تساعد على تحقیق الأهداف القرآنیة المتمثلة فی إیقاظ المتعنتین المغرورین وبیان ضعف الإنسان أمام قدرة الجبار المتعال.
هذه الحادثة تبیّن أنّ المعجزات والخوارق لا تستلزم ـ کما ظنّ بعض ـ وجود النّبی والإمام، بل تظهر فی کلّ ظرف یشاء اللّه فیه أن تظهر، والهدف منها إظهار عظمة اللّه سبحانه وحقانیة دینه.
هذا العقاب العجیب الأعجازی، یختلف عمّا نزل من عقاب على اُمم اُخرى مثل طوفان قوم نوح، وزلزال قوم لوط وإمطارهم بالحجارة، وصاعقة قوم ثمود; فهذه سلسلة حوادث طبیعیة یتمثل إعجازها فی حدوثها فی تلک الظروف الخاصّة.
أمّا قصّة إبادة جیش أبرهة بحجارة من سجّیل، ترمیها طیر أبابیل، ولیست کالحوادث الطبیعیة.
تحلیق هذه الطیور الصغیرة، واتجاهها نحو ذلک الجیش الخاص، ورمیه بالحجارة التی تستطیع أن تهشّم أجساد جیش ضخم... کلّ تلک اُمور خارقة للعادة. ولکنّها ـ کما نعلم ـ ضئیلة جدّاً أمام قدرة اللّه تعالى.
اللّه الذی خلق داخل هذه الحجارة قدرة ذریة لو تحررت لولدت انفجاراً هائلاً، لقادر على أن یجعل فی هذه الحجارة خاصیة تستطیع أن تحوّل جیش أبرهة إلى (عصف مأکول).
لسنا فی حاجة لأن نذهب إلى ما ذهب إلیه بعض المعاصرین فی تفسیر هلاک جیش أبرهة بمکروبات وباء الحصبة والجدری(1) أو أن نقول إنّ هذه الحجارة کانت ذرات متکافئة اُزیلت الفراغات بینها فاصبحت ثقیلة للغایة، وقادرة على أن تخترق الأجساد.
کلّ هذه تبریرات تستهدف اعطاء صفة طبیعیة لهذه الحادثة، ولسنا بحاجة إلیها، کلّ ما نعلمه هو أنّ هذه الحجارة کانت لها خاصیة غریبة فی تهشیم الأجسام، ولم یخبرنا القرآن بأکثر من ذلک، ولیس الأمر بمتعذر أمام قدرة اللّه سبحانه.