العین یشبهونها عادة بآلة التصویر (الکامیرا)، فهی تلتقط الصور من عدستها الدقیقة، بدلاً من أن تعکسها على اللوح الحساس (الفیلم) کما تفعل الکامیرا، تعکس الصور على شبکیة العین، ومن ثمّ تنتقل عن طریق الأعصاب البصریة إلى الدماغ.

آلة التصویر الدقیقة الظریفة هذه قد تلتقط یومیاً ملایین الصور، غیر أنّها من جهات مختلفة لا یمکن مقارنتها حتى بأعقد وأحدث أجهزة التصویر، لأنّه:

1ـ فتحة تنظیم النور (دیافراغم) فی جهاز العین، وهو بؤبؤ العین، یعمل بشکل تلقائی أمام تغییر النور، فیتقلص أمام النور القوی، ویتسع أمام النور الضعیف، بینما أجهزة التصویر بحاجة إلى تنظیم بید المصور.

2ـ عدسة العین خلافاً لأنواع عدسات أجهزة التصویر تتغیر بتغیر بعد الصورة عنها، فیکون قطرها حیناً 5،1 ملم، ویصل أحیاناً إلى 8 ملم، وهذا التغییر یتمّ بواسطة عضلات تتقلص وتنبسط حسب بُعد الصورة المرئیة، فعدسة العین تستطیع أن تعمل ما تعمله مئات العدسات الزجاجیة.

3ـ العین تستطیع أن تتحرک فی الجهات الأربع بمساعدة العضلات وتلتقط الصور فی الأنحاء المختلفة.

4ـ والمهم، أنّ أجهزة التصویر بحاجة إلى تبدیل أفلامها، فإذا انتهت حلقة فیلم، فلابدّ من فیلم آخر. لکن عین الإنسان تلتقط الصور طوال عمر الإنسان دون أن تحتاج إلى تعویض شیء، ویعود السبب إلى أن الشبکیة التی تنعکس علیها الصور تحتوی على نوعین من الخلایا «المخروطیة»، و«الإسطوانیة» فیها مادة حساسة للغایة تجاه النور تتحلل بأقل شعاع من نور فی الشبکیة وتتحول إلى أمواج تنتقل إلى الدماغ، ثمّ یزول الأثر وتستعد الشبکیة لإلتقاط صور جدیدة.

5ـ أجهزة التصویر مصنعة من مواد قویّة جدّاً، لکن جهاز العین لطیف وظریف إلى درجة کبیرة، لذلک وضع فی محفظة عظیمة مستحکمة، والعین مع ظرافتها ولطافتها أکثر دواماً بکثیر من الحدید والفولاذ.

6ـ مسألة تنظیم النور ذات أهمیة فائقة للمصورین، وقد یطول الزمن بالمصور کی یستطیع تنظیم إضاءة الصورة، بینما تستطیع العین فی جمیع ظروف النور القوی والمتوسط والضعیف بل حتى فی الظلام شریطة وجود بصیص من النور أن تلتقط الصور، وهذا من عجائب العین.

7ـ حین ننتقل فجأة من النور إلى الظلمة، أو حین تنطفیء مصابیح الغرفة فی اللیل، لا تستطیع أعیننا فی البرهة الاُولى أن ترى شیئاً، ثمّ بالتدریج تعتاد العین على الظرف الجدید فترى ما حولها، وهذا التعوّد هو تعبیر بسیط عن التحول المعقد الذی یحدث فی العین، ویؤدّی خلال لحظات بسیطة إلى الإنسجام بین العین والظروف الجدیدة.

وعکس ذلک یحدث عندما ننتقل من الظلام إلى النور، فالعین فی البدایة لا تتحمل النور القوی، ولکن بعد لحظات تتواءم مع الظرف الجدید، ومثل هذه الخصائص لا توجد اطلاقاً فی أجهزة التصویر.

8ـ أجهزة التصویر تستطیع أن تصور زاویة محدودة ممّا یقع أمامها، بینما عین الإنسان تستطیع أن تلتقط کلّ ما فی نصف الدائرة الاُفقیة أمامها بزاویة مقدارها 180 درجة تقریباً.

9ـ من عجائب العینین أنّهما تلتقطان الصورة لتعکساها معاً فی نقطة واحدة، وإذا اختل هذه التنظیم تصاب العین بالحول ویرى الفرد الشیء الواحد شیئین.

10ـ ومن الطریف أنّ صورة الأجسام تنعکس على الشبکیة مقلوبة، بینما لا نرى نحن الأشیاء مقلوبة.

11ـ سطح العین یجب أن یبقى رطباً دائماً، وإذا جفّ اضرّ بالعین کثیراً، وهذه الرطوبة تفرزها الغدد الدمعیّة، فتدخل العین من جانب وتخرج عن طریق قنوات دقیقة تقع فی جانب من العین إلى الأنف، فترطب الأنف أیضاً.

وإذا جفت الغدد الدمعیة، تتعرض العین للخطر، وتتعذر حرکة الأجفان، وإن زاد نشاط هذه الغدد أکثر من المطلوب یسیل الدمع باستمرار على الوجه، وإذا انسدّ طریق القنوات التی تدفع الدمع من العین إلى الأنف، فلابدّ للفرد أن ینشغل دائماً بتجفیف الماء المتصبب على وجهه.

12ـ ترکیب الدمع معقد فیه أکثر من عشرة عناصر تشکل معاً أفضل سائل للحفاظ على العین.

بعبارة موجزة عجائب العین من الکثرة بحیث تتطلب کتابة المجلدات الضخام، ولیست هی أکثر من شحمة صغیرة، وحقّاً ما قاله أمیر المؤمنین علی(علیه السلام): «اعجبوا لهذا الإنسان ینظر بشحم ویتکلم بلحم، ویسمع بعظم، ویتنفس من خرم»(1).

1. نهج البلاغة، الکلمات القصار، الکلمة 8.