کل شیء بأمرک یا ربّ

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 15
سورة النّبأ / الآیة 6 ـ 16 علاقة الآیات بـ «المعاد»

تجیب الآیات المذکورة على أسئلة منکری المعاد والمختلفین فی هذا «النبأ العظیم» لأنّها تستعرض جوانب معینة من نظام الکون وعالم الوجود الموزون، مع تبیانها لبعض النعم الإلهیة الواسعة ذات التأثیر الفعال فی حیاة الإنسان، وذلک من جهة دلیل على قدرة الباری عزَّ وجل المطلقة، ومنها قدرته على إعادة الحیاة إلى الإنسان بعد موته.

ومن جهة اُخرى إشارة إلى أنّ الکون وما فیه من دقّة تنظیم، لا یمکن أنْ یُخلق لمجرّد العبث واللهو! بل لابدّ من وجود حکمة بالغة لهذا الخلق. فی حین أنّه لو کان الموت یعنی نهایة کل شیء، فمعنى ذلک أنّ وجود العالم عبث وخال من أیّةِ حکمة!!

وبهذا فقد استدل القرآن الکریم على حقیقة «المعاد» بطریقین:

1ـ برهان القدرة.

2ـ برهان الحکمة.

وقد عرضت الآیات الإحدى عشر، اثنتی عشر نعمة إلـهیة، باُسلوب ملؤه اللطف والمحبّة، مصحوباً بالاستدلال، لأنّ الاستدلال العقلی لو لم یقترن بالإحساس العاطفی والنشاط الروحی یکون قلیل التأثیر.

وتشرع الآیات بالإشارة إلى نعمة الأرض، فتقول: (ألم نجعل الأرض مهاد).

(المهاد): کما یقول الراغب فی المفردات: المکان الممهّد الموطأ، وهو فی الأصل مشتق من «المهد»، أیْ المکان المهیء للصبی.

وفسّره بعض أهل اللغة والمفسّرین بالفراش، لنعومته واستوائه وکونه محلاً للراحة.

واختیار هذا الوصف للأرض ینم عن مغزىً عمیق..

فمن جهة: نجد فی قسم واسع من الأرض الإستواء والسهولة، فتکون مهیئة لبناء المساکن والزراعة.

ومن جهة ثانیة: اُودع فیها کل ما یحتاجه الإنسان لحیاته من المواد الأولیة إلى المعادن الثمینة، سواء کان ذلک على سطحها أم فی باطنها.

ومن جهة ثالثة: تحلل الأجساد المیتة التی تودع فیها، وتبید کل الجراثیم الناشئة عن هذه العملیة بما أودع فیها الباری من قدرة على ذلک.

ومن جهة رابعة: ما لحرکتها السریعة المنظمة ولدورانها حول الشمس وحول نفسها من أثر على حیاة البشریة خاصّة، بما ینجم عنها اللیل والنهار والفصول الأربعة.

ومن جهة خامسة: خزنها لقسم کبیر من میاه الأمطار الغزیرة، وإخراج ذلک على شکل عیون، آبار، أنهار.

والخلاصة: إنّ جمیع وسائل الإستقرار والعیش لبنی آدم متوفرة فی هذا المهد الکبیر، وقد لا یلتفت الإنسان إلى عظم هذه النعمة الرّبانیة، إلاّ إذا ما أصاب الأرض زلزالاً..، وعندها سیدرک معنى استقرار الأرض، ومعنى کونها مهاداً.

وبما أنّ نعمة استواء الأرض وسهولتها قد تهمش نعمة الجبال، فقد جاءت الآیة التالیة لتبیّن أهمیة الجبال ودورها المهم فی حیاة الإنسان: (والجبال أوتاد).

تشکل الجبال آیةً ربانیة زاخرة بالعطاء، وتؤدّی وظائف کثیرة، منها أنّها تحفظ القشرة الأرضیة من الإنهیار أمام الضغط الحاصل من المواد المذابة داخلها، وذلک لعمق تجذرها المترابط داخل الأرض... وتحافظ علیها من تأثیرات جاذبیة القمر فی عملیة المد والجزر... وتشکل جدران الجبال سداً منیعاً للتقلیل من آثار الریاح الشدیدة والعواصف المدمرة... وتهیئ للإنسان الملاجیء الهادئة فی مغاراتها وبین تعرجاتها لتأمنه من ضربات العواصف المهلکة.. وتقوم بخزن المیاه وادخار أنواع المعادن الثمینة فی باطنها..

بالإضافة لکل ما ذکر، فتوزیع الجبال على الأرض بالشکل الموجود وتعاملاً مع حرکة

الأرض یعمل على تنظیم حرکة الهواء المحیط بالکرة الأرضیة بالشکل الذی یؤثر إیجابیاً على الحیاة فوق الأرض. وفی هذا المجال، یقول العلماء: لو کان سطح الکرة الأرضیة مستویاً کله، لتولدت عواصف شدیدة لا یمکن السیطرة علیها جراء حرکة الأرض وسکون الغلاف الجوی، ولفقدت الأرض صلاحیتها بتوفیر مستلزمات السکن للإنسان، لأنّ استمرار الإحتکاک الحاصل من حرکة الأرض الدائمة وسکون الغلاف الجوی سیؤدّی بلا شک إلى زیادة حرارة القشرة الأرضیة ممّا یجعل الأرض غیر صالحة لسکنى الإنسان.

وبعد أنْ بیّن القرآن هذین النموذجین من النعم الإلـهیّة والآیات الآفاقیة، عرج إلى ذکر ما أنعم الباری على الإنسان من النعم والآیات الانفسیة فقال: (وخلقناکم أزواج)(1).

«الأزواج»: جمع زوج، المتشکل من الذکر والاُنثى، ویخرج الإنسان إلى حیاة الوجود من هذین الجنسین، ویستمر وجوده فی الحیاة من خلال عملیة التناسل التی تساهم فی استقرار الإنسان من الناحیتین الجسمیة ولنفسیة، کما تشیر إلى هذا الآیة 21 من سورة الروم: (ومِنْ آیاته أنْ خلق لکم من أنفسکم أزواجاً لتسکنوا إلیها وجعل بینکم مودّة ورحمة).

وبعبارة اُخرى: إنّ کلاً من الذکر والاُنثى مکمل لوجود الآخر، وعاملاً على اشباع احتیاجات الطرف الآخر من الناحیتین الجسمیة والنفسیة.

وفسّر البعض کلمة «أزواج» بالأصناف المختلفة للناس، لأنّ من معانی (أزواج): الأصناف والأنواع، فاعتبروها إشارة إلى ذلک التباین الموجود بین البشر من حیث: اللون، الجنس، الاستعدادات والقابلیات، للدلالة على عظمة الباری جلّ شأنه والعامل على تکامل المجتمع الإنسانی.

ویشیر بعد ذلک إلى نعمة النوم، فیقول: (وجعلنا نومکم سبات).

«السبات»: من السبت، بمعنى القطع، ثمّ استعملت بمعنى (تعطیل العمل) لأجل الإستراحة، وسمی «یوم السبت» بذلک لأنّ الیهود کانوا یعطلون أعمالهم فی الیوم المذکور.

ویحمل وصف «النوم» بالسبات إشارةً لطیفة إلى تعطیل قسم من الفعالیات الجسمیة والروحیة للإنسان عند النوم.

ویعطی التعطیل فرصة لإستراحة أعضاء البدن.. لتجدید القوى.. لتقویة الروح والجسد، لتجدید النشاط ورفع أیّ نوع من التعب والآلام، والإستعداد لتقبل المرحلة القادمة (بعد النوم) بفاعلیة ونشاط متجدد.

وبالرغم من أنّ النوم یشکّل ثلث حیاة الإنسان، ولکنّ الإنسان لا زال یجهل الکثیر من خفایاه، بل ولا زال الإنسان (منذ القدیم وحتى الآن) لا یعرف سبب تعطیل بعض فعالیات الدماغ فی مدّة معینة وتغمض العین أجفانها وتسکن جمیع أعضاء البدن!

وبات من المعروف ما للنوم من دور مهم فی حیاة الإنسان، حتى حرص أطباء علم النفس دوماً على تنظیم نوم مرضاهم بصورته الطبیعیة حفاظاً على حالة التوازن النفسی للمرضى.

فالذین لا یتمتعون بنوم طبیعی تراهم مصابون بحدّة المزاج، القلق، الاضطراب، الکآبة، وبالمقابل، نرى الذین یتمتعون بنوم طبیعی ینهضون کل صباح بنشاط وحیویة وبقدرة جدیدة.

ومن بین ما یقدمه النوم من تأثیر مهم على الإنسان: سرعة تقبل ذهن الإنسان للدراسة والمطالعة بعد فترة نوم طبیعیة وهادئة وسرعة إنجاز الأعمال الفکریة والبدنیة ولعلّ من أسهل أسالیب تعذیب الإنسان هو حرمانه من النوم، خصوصاً وأنّ التجارب العلمیة أثبتت بأنّ قابلیة الإنسان على تحمل الأرق ضعیفة جدّاً، وإذا حاول أیُّ إنسان أنْ یجرب ذلک، فلا تمضی علیه فترة وجیزة إلاّ ویصاب فی سلامته ویمرض.

وکلّ ما ذکر من فوائد النوم فإنّه یختص بالنوم الطبیعی الموزون، وأمّا إذا زاد عن حدّه الطبیعی فلا یجنی صاحبه سوى الآثار السلبیة لهذا الإفراط، کحال الإفراط فی الطعام.

ومن الغریب أنّ نسبة فترة النوم تختلف من إنسان لآخر، ولا یمکن تعیین فترة محددة لکل الناس، وعلیه.. فکل إنسان یعرف الفترة التی تناسبه طبیعیاً بما یناسب فعالیاته الجسمیة والروحیة، وتجربة الإنسان هی التی تُعین نسبة النوم الضروری له.

والأغرب من ذلک، إنّه قد یضطر الإنسان فی الحوادث والشدائد إلى السهر والیقظة مدّة طویلة، ولذلک تزداد مقاومته للنوم بشکل ملحوظ ولکنّه مؤقت، وقد یستکفی فی تلک الأحیان بساعة أو ساعتین من النوم للیوم الواحد، ولکنْ.. سرعان ما ینتهی ذلک التمکن بمجرّد الرجوع إلى الحالة الطبیعیة، بل وقد یحتاج لساعات نوم أطول من السابق للتعویض عمّا فاته من نوم!

ومن النادر أنْ نرى إنساناً یعیش حالة الیقظة لعدة أشهر، وفی قبال ذلک نرى بعض الناس ینامون اثناء المشی، بل وهناک مَنْ ینام وأنت تشاطره أطراف الحدیث، ومثل هکذا أشخاص یعیشون حالة غیر طبیعیة وغالباً ما تکون الحوادث المؤسفة فی انتظارهم، فالضرورة تقتضی ألاّ یترکوا بدون مراقب أو مرافق.

والخلاصة: إنّ هذا الحادث العجیب والظاهرة الغامضة التی تدعى بـ «النوم» مصحوبة بعجائب کثیرة وکأنّها معجزة من المعاجز(2).

ومع أنّ ذکر النوم فی الآیة قد جاء باعتباره إحدى النعم الإلهیة، إلاّ أنّ الآیة المبارکة قد تشیر بذلک إلى الموت، لما للنوم من شبه بالموت، والإستیقاظ بالبعث.

وبعد الإِنتهاء من ذکر نعمة النوم، ینتقل القرآن الکریم لذکر نعمة اللیل، فیقول: (وجعلنا اللیل لباس).

وتضیف الآیة التالیة مباشرة: (وجعلنا النهار معاش)(3).

الآیتان تفندان جهل الثنویّین بأسرار الخلق، حیث یقولون: إنّ النور والنهار نعمة، والظلام واللیل شر وعذاب، ویجعلون لکلِّ منهما خالق (إله الخیر وإله الشر)... وبقلیل من التأمل نجد أنّ کلاًّ منهما یمثل نعمة إلهیة معطاءة، حیث تنبع منها نعم اُخرى.

وشبّهت الآیةُ اللیلَ باللباس والغطاء الذی یُلقى على الأرض لیشمل کل مَنْ على الأرض، ولیجبر فعالیات الموجودات الحیّة المتعبة على الأرض بالتعطل عن الحرکة وممارسة النشاطات، ویخیم الظلام والسکون لیضفی على الأرض الهدوء لیستریح الناس من رحلة العمل والمعاناة خلال النهار، ولیتمکنوا من مواصلة نشاطهم للیوم التالی لأنّ النوم المریح لا یتیسر للانسان إلاّ فی أجواء مظلمة.

وبالإِضافة لکل ما ذکر، فحلول اللیل یعنی زوال نور الشمس وإلاّ لانعدمت الحیاة واحترقت جمیع النباتات والحیوانات فی حال استمرار شروق الشمس.

ولذا نجد القرآن الکریم یؤکّد على هذه الحقیقة، فتارة یقول: (قل أرأیتم إنْ جعل الله علیکم النهار سرمداً إلى یوم القیامة مَنْ إله غیر الله یأتیکم بلیل تسکنون فیه)(4). وتأتی الآیة التالیة لتقول: (ومِنْ رحمته جعل لکم اللیل والنهار لتسکنوا فیه ولتبتغوا من فضله)(5) ویلاحظ فی القرآن الکریم أنّه قد اُقسم باُمور کثیرة، ولکن قسمه لا یتعدى المرة الواحدة لکل ما أقسم به، ما عدا اللیل فقد جاء القسم به سبع مرات! ولمّا کان القسم بشیء دلیل على أهمّیته، فهذا یعنی أنّ للّیل أهمیّة بالغة.

الأشخاص الذین یضیؤون اللیل بأنوار صناعیة ویسهرون لیلهم ویقضون نهارهم بالنوم، هم اُناس غیر طبیعیین، وترى علامات الکسل والخمول بادیة علیهم. فی حین نرى القرویین أکثر صحة من أهل المدن وأسلم بدناً وحواساً، لأنّهم ینامون بعد حلول اللیل بقلیل ویستیقظون مبکراً.

ومن منافع اللیل الجانبیة أنّ فیه (وقت السحر) الذی هو أفضل أوقات الدعاء والصلاة ومناجاة الباری جلّ شأنه لتربیة وتزکیة النفوس، کما تصف الآیة 18 من سورة الذاریات عُبّاد اللیل: (وبالأسحار هم یستغفرون)(6).

والنهار بنوره الفیاض نعمة ربانیة عظیمة، حیث یدفع الإنسان لیتحرک ویسعى لبناء حیاته ومجتمعه، وبالنور تنمو النباتات، وتمارس الحیوانات شؤون حیاتها وحقّاً قال الباری: (وجعلنا النهار معاش)، بما لا یدع مجالاً للتفصیل والشرح.

وخاتمة المقال: إنّ تعاقب اللیل والنهار وما فیهما من نظام دقیق آیة بیّنة من آیات خلقه سبحانه وتعالى، إضافة إلى أنّه تقویم طبیعی لتفصیل الزمن فی حیاة الإنسانیة على مرّ التاریخ.

وتأتی الآیة التالیة لتنقلنا من عالم الأرض إلى عالم السماء حین تقول: (وبنینا فوقکم سبعاً شداد).

قد یراد من العدد المذکور بالآیة «الکثرة»، للإشارة إلى کثرة الأجرام السماویة والمنظومات الشمسیة والمجرات والعوالم الواسعة لهذا الوجود، والتی تتمتع بخلق محکم وبناء رصین لا خلل فیه... ویمکن أنْ یراد منه العدد، للإشارة إلى أنّ الکواکب وما یبدو لنا منها إنّما تعود إلى السماء الاُولى، کما أشارت الآیة 6 من سورة الصافات إلى ذلک: (إنّا زینّا السماء الدنیا بزینة الکواکب)، وثمّة سماوات ستة وعوالم اُخرى وراء السماء الاُولى «الدنیا» خارجة عن حدود معرفتنا.

وثمّة احتمال آخر، وهو أنّ المراد منها طبقات الهواء المحیطة بالأرض فإنّها مع رقتها تتمتع باستحکام وقوة عجیبة بحیث تحمی الأرض من آثار الشهب الملتهبة والمتساقطة علیها باستمرار، فبمجرّد دخول الشهب فی الغلاف الجوی الرقیق نتیجة لجاذبیة الأرض لها، تحترق تلک الشهب لاحتکاکها السریع بالغلاف الجوی حتى تتلاشى، ولولا تلک الطبقات الجویة المحیطة بالکرة الأرضیة لکانت المدن والقرى عرضة للإصابة بتلک الصخور والأحجار السماویة المتساقطة علیها على الدوام.

وقد توصل بعض العلماء إلى أنّ سُمْک الغلاف الجوی یقرب من مائة کلیومتراً، وله من الأثر ما یعادل سقف فولاذی بسمک عشرة أمتار!

وبذلک نحصل على تفسیر آخر لما جاء فی الآیة.. (... سبعاً شداد)(7).

وبعد أن أشار القرآن إجمالاً إلى السماوات، یشیر إلى نعمة الشمس، فیقول: (وجعلنا سراجاً وهّاج)(8).

«الوهّاج»: من الوهج، بمعنى النور والحرارة التی تصدر من النار(9).

وإطلاق هذه الصفة على الشمس، للإشارة إلى نعمتین کبیرتین وهما: (النور) و (الحرارة) ویتفرع عنهما نعم وعطایا کثیرة یزخر بها عالمنا.

ولا تتحدد فوائد نور الشمس بإضاءة الدنیا للإنسان، بل لها أثر کبیر فی نمو سائر الکائنات الحیّة.

وإضافة لکل ما تقدم، فلحرارة الشمس أثر أساس فی: تکوّن الغیوم، حرکة الهواء، نزول الأمطار، وسقی الأراضی الیابسة.

ولأشعة الشمس کذلک الأثر البالغ فی مکافحة الجراثیم، لاحتوائها على الأشعة ما وراء الحمراء التی تقتل الجراثیم، ولولاها لتحولت الأرض إلى مستشفى عظیمة، ولانتهت الحیاة البشریة على ظهرها خلال مدّة محدودة جدّاً.

وأشعة الشمس فی واقعها: نور صحی مجانی دائمی، یصلنا بکیفیة لا هی بالشدیدة المحرقة، ولا هی بالقلیلة العدیمة التأثیر.

ونسبة ما یصلنا من الطاقة الشمسیة قیاساً مع بقیة المصادر کثیر جدّاً، وعلى سبیل الفرض: فلو أردنا إنماء شجرة تفاح بواسطة نور صناعی، فستکلفنا التفاحة الواحدة مبلغاً رهیباً، نعم... فنعمة هذا السراج الوهّاج لا یمکننا تعویضها بمال کل الأغنیاء(10).

وقد قُدّر حجم الشمس بما یقارب الملیون وثلاثمائة ألف مرّة نسبة إلى حجم الکرة الأرضیة، والفاصلة بین الشمس والأرض تقدر بحدود مائة وخمسین ملیون کلیومتر... وأنّ حرارة الشمس الخارجیة تصل إلى ستة آلاف درجة مئویة... وتصل حرارتها الداخلیة ما یقارب ملیون درجة مئویة! وهذا النظام الموزون بحکمة بالغة، لمن الدقة بحال أنّه لو اختل قلیلاً (زیاة أو نقصان) لما أمکن للبشر أنْ یعیشوا على سطح الکرة الأرضیة، ولا یسعنا المجال لنتطرق لمزید من التفصیل والبیان حول هذا الموضوع.

وبعد ذکر نعمة النور والحرارة یتناول القرآن نعمة حیاتیة اُخرى لها إرتباط بأشعة الشمس، ویقول: (وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاج).

«المعصرات»: جمع «معصر»، من العصر بمعنى الضغط... والکلمة تشیر إلى أنّ الغیوم تقوم بعملیة وکأنّها تعصر نفسها عصراً لکی ینهمر منها الماء على شکل أمطار(11) (ینبغی ملاحظة أنّ «المعصرات» جاءت بصیغة اسم فاعل).

وفسّرها بعضهم بالغیوم المستعدة لإنزال الأمطار، باعتبار أنّ اسم الفاعل یأتی فی بعض الأحیان بمعنى الإستعداد للقیام بعمل ما.

وقال بعض آخر: إنّ «المعصرات» لیست صفةً للغیوم، وإنّما للریاح التی تقوم بضغط وعصر الغیوم.

«الثجاج»: من الثج، بمعنى سیلان الماء بکمیة کبیرة، و«ثجاج» صیغة مبالغة، ویراد بها هنا غزارة الأمطار المنهمرة نتیجة العصر الحاصل للغیوم.

وبالإضافة لکون المطر منبعاً لکثیر من مصادر الخیر والبرکة، فهو: ملطف للجو، مزیل للتلوثات الموجودة فی الجو، مخفض للحرارة ومعدل للبرودة، مقلل لأسباب الأمراض، یمنح الإِنسان روحاً متجددة ونشاطاً، ومع کل ذلک.. فقد ذکر القرآن ثلاث فوائد اُخرى له: (لنخرج به حباً ونبات).

(وجنّات ألفاف).

یقول الراغب فی مفرداته: «ألفافاً»: أیْ إلتفّ بعضها ببعض لکثرة الشجر(12).

والآیتان تشیران إلى ما یستفید منه الإنسان والحیوان من المواد الغذائیة التی تخرج من الأرض، فالحبوب الغذائیة تشکل قسماً مهمّاً من المواد الغذائیة «حبّاً»، والخضر تشکل القسم الآخر «ونباتاً»، وتأتی الفاکهة لتشکل القسم الثالث «وجنّات».

ولا تنحصر فوائد المطر بهذه الفوائد الثلاث المذکورة فی هاتین الآیتین، فللماء دور أساسی وحیوی فی عملیة حیاة الکائنات الحیّة، وعلى الأخص الإنسان، حیث إنّ الماء یشکل ما یقارب السبعین فی المائة من بدنه، بل ویتعدى ذلک لیشمل کل کائن حیّ، کما یشیر القرآن الکریم لهذه الحقیقة: (وجعلنا من الماء کل شیء حی)(13).

وتتجاوز فوائد الماء حدود الکائن الحیّ لتشمل: المصانع، جمال الطبیعة، وأفضل الطرق التجاریة والاقتصادیة هی الطرق المائیة.


1. جملة (وخلقناکم أزواج) وما بعدها، جاءت بصیغة الإثبات، أمّا ما احتمله البعض من کونها جملة منفیة معطوفة على قوله تعالى: (ألم نجعل) المتقدم فی الآیة الاُولى فبعید ویحتاج إلى تقدیر لا موجب.
2. للتزود من عجائب عالم النوم، راجع ما بحثناه فی تفسیر الآیة 34 من سورة الروم. وکذا الرؤیا وعجائبها فی ذیل الآیة 4 من سورة یوسف.
3.«المعاش» إمّا أنْ یکون اسم زمان أو اسم مکان، بمعنى زمان ومکان الحیاة.. ویمکن أنْ یکون مصدراً میمیاً، فیکون له محذوف، والتقدیر: (سبباً لمعاشکم). والمعاش: من العیش، أیْ الحیاة، إلاّ أنّ تعبیر الحیاة یمکن إطلاقه على الباری عزَّ وجلّ والملائکة، فیما تختص کلمة العیش بحیاة الإنسان والحیوان.
4. القصص، 72.
5. القصص ، 73.
6. راجع بحوثنا حول أسرار اللیل والنهار، ونظام النور والظلمة فی ذیل الآیات 71 ـ 73 من سورة القصص، ذیل الآیة 47 من سورة الفرقان، وذیل الآیة 18 من سورة الذاریات.
7. لزیادة المعلومات، راجع ذیل الآیة 29 من سورة البقرة.
8.«جعلنا» فی هذا الموضع بمعنى (خلقن)، فلذلک أخذت مفعولاً واحداً.
9. مفردات الراغب مادة (وهج)... وفی لسان العرب: الوهج: حرارة الشمس والنار من بعید.
10. ورد فی کتاب عالم النجوم من تألیف (آنتری وایت) حساباً للنور والحرارة الواصلین من الشمس إلى الأرض، یقول صاحب الکتاب: لو أردنا أنْ ندفع اُجوراً مقابل ما یصلنا من نور وحرارة الشمس مجاناً بما یساوی ما ندفعه من اُجور الکهرباء عادة، فعلى سکان الأرض أنْ یدفعوا لکل ساعة من النور والحرارة ملیار وسبعمائة ملیون دولار، وإذا حسبنا ما علینا أنْ ندفع خلال سنة واحدة فسنصل إلى رقم خیالی من الدولارات، وبهذا یظهر قیمة ما وهبنا الله تعالى من ثروة طائلة دون مقابل.
ویقول مؤلف کتاب (من العوالم البعیدة): إنّ أهل الأرض لو أرادوا الحصول على ما یصلهم من نور الشمس من مصابیح توضع فی مکان الشمس للزم لکل منهم خمسة ملایین ملیار مصباح ذو مائة واط.
11. یقول بعض العلماء: إنّ الغیوم حین تتراکم تخضع لنظام معین، حیث تقوم بعصر نفسها فتتساقط قطرات الأمطار منها، وهذا فی واقعه یکشف عن إحدى المعاجز العلمیة للقرآن فی استعماله لهذا التعبیر (راجع کتاب ـ الهواء والأمطار، ص 126).
12.«ألفاف» جمع لفیف ـ کما یقول کثیر من أهل اللغة والتفسیر ـ. وقال بعضهم: جمع لُف (بضم اللام). وقال بعض آخر: جمع لِف (بکسر اللام). وقال آخرون: هی جمع لا مفرد له.. ولکنّ المشهور هو القول الأوّل.
13. الأنبیاء، 30.
سورة النّبأ / الآیة 6 ـ 16 علاقة الآیات بـ «المعاد»
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma