موقف الإنسان من تحصیل النعمة وسلبها!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 15
سورة الفجر / الآیة 15 ـ 20 سورة الفجر / الآیة 21 ـ 26

بعد أن تحدثت الآیات السابقة عن عقاب الطغاة، وتحذیرهم وإنذارهم، تأتی هذه الآیات لتبیّن مسألة الإبتلاء والتمحیص وأثرها على الثواب والعقاب الإلهی، وتعتبر مسألة الإبتلاء من المسائل المهمّة فی حیاة الإنسان.

وتشرع الآیات بـ : (فأمّا الإنسان إذا ما ابتلاه ربّه فأکرمه ونعّمه فیقول ربّی أکرمن).

وکأنّه لا یدری بأنّ الابتلاء سنّة ربّانیة تارة یأتی بصورة الیسر والرخاء واُخرى بالعسر والضراء.

فلا ینبغی للإنسان أن یغتر عند الرخاء، ولا أن ییأس عندما تصیبه عسرة الضراء، ولا ینبغی له أن ینسى هدف وجوده فی الحالتین، وعلیه أن لا یتصور بأنّ الدنیا إذا ما أرخت نعمها علیه فهو قد أصبح مقرّباً من اللّه، بل لابدّ أن یفهمها جیدّاً ویؤدّی حقوقها، وإلاّ فسیفشل فی الإمتحان.

ومن الجدیر بالملاحظة، أنّ الآیة ابتدأت بالحدیث عن إکرام اللّه تعالى للإنسان «فأکرمه ونعمه»، فی حین تلومه على اعتقاده بهذا الإکرام فی آخرها: (فیقول ربّی أکرمن)، وذلک.. لأنّ الإکرام الأوّل هو الإکرام الطبیعی، والإکرام الثّانی بمعنى القرب عند اللّه تعالى.

(وأمّا إذا ما ابتلاه فقدر علیه رزقه فیقول ربّی أهانن).

فیأخذه الیأس، ویظن إنّ اللّه قد ابتعد عنه، غافلاً عن سنّة الإبتلاء فی عملیة التربیة الربّانیة لبنی آدم، والتی تعتبر رمزاً للتکامل الإنسانی، فمن خلال نظرة ومعایشة الإنسان للإبتلاء یرسم بیده لوحة عاقبته، فأمّا النعیم الدائم، وأمّا العقاب الخالد.

وتوضح الآیتان بأنّ حالة الیسر فی الدنیا لیست دلیل قرب اللّه من ذلک الإنسان، وکذا الحال بالنسبة لحالة العسر فلا تعنی بُعد اللّه عن عبده، وکلّ ما فی الأمر أنّ الحالتین صورتان مختلفتان للإمتحان الذی قررته الحکمة الإلهیّة، لیس إلاّ.

وتأتی الآیة 51 من سورة فصّلت فی سیاق الآیتین: (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسّه الشّر فذو دعاء عریض).

وکذا الآیه 9 من سورة هود: (ولئن أذقنا الإنسان منّاً رحمة ثمّ نزعناها منه إنّه لیؤس کفور).

وتنبهنا الآیتان أیضاً، بأن لا نقع فی خطأ التشخیص، فنحکم على فلان بأنّ اللّه راض عنه لأنّه یفعم بالنعم الإلهیّة، وأنّ فلان قد سخط علیه اللّه لأنّه محروم من نعم کثیرة، ولابدّ لنا من الرجوع إلى المعاییر الثابتة عند القیام بعملیة التشخیص والتقییم، فالعلم والإیمان والتقوى هی اُسس التقییم، ولیس ظاهر التمتع بحالة السراء..

فما أکثر الأنبیاء الذین تناوشتهم أنیاب البلایا والمصائب، وما أکثر الکافرین والطغاه الذین تنعموا بمختلف ملاذ الدنیا، إنّها من سنن طبیعة الحیاة الدنیا، ولکن.. أین الأنبیاء من الکافرین و.. عقبى الدار؟!

فالآیة إذن، تشیر إلى فلسفة البلاء، وما یصیب الإنسان من محن وبلایا فی دنیاه.

وتوجه الآیتان التالیتان نظر إلى الإنسان والأعمال التی تؤدّی بحقّ للبعد عن اللّه، وتوجب عقابه: (کل) فلیس الأمر کما تظنون من أنّ أموالکم دلیل على قربکم من اللّه، لأنّ أعمالکم تشهد ببعدکم عنه، (بل لا تکرمون الیتیم * ولا تحاضون على طعام المسکین).

والملاحظ أنّ الآیة لم تخص الیتیم بالإطعام بل بالإکرام، لأنّ الوضع النفسی والعاطفی للیتیم أهم بکثیر من مسألة جوعه.

فلا ینبغی للیتیم أن یعیش حالة الإنکسار والذلة بفقدان أبیه، وینبغی الإعتناء به وإکرامه لسدّ الثغرة التی تسببت برحیل أبیه، وقد أولت الأحادیث الشریفة والرّوایات هذا الجانب أهمّیة خاصّة، وأکّدت على ضرورة رعایة وإکرام الیتیم.

فعن الإمام الصادق(علیه السلام)، إنّه قال: «ما من عبد یمسح یده على رأس یتیم رحمة له إلاّ أعطاه اللّه بکلّ شعرة نوراً یوم القیامة»(1).

وتقول الآیة 9 من سورة الضحى: (فأمّا الیتیم فلا تقهر).

وهذه الدعوة الربّانیة تقابل ما کان سائداً فی عصور الجاهلیة، وکیف کانوا یتعاملون مع الیتامى، ولا تنفصل جاهلیة الیوم عن تلک الجاهلیة، فنرى مَن لم یدخل الإیمان قلبه، کیف یتوسل بمختلف الحیل والألاعیب لسرقة أموال الیتامى، والأشد من هذا فإنّهم یترکون الیتامى جانباً بلا اهتمام ولا رعایة لیعیشوا غمّ فقدان الآباء وبأشدّ صورة!

فإکرام الیتیم لا ینحصر بحفظ أموالهم ـ کما یقول البعض ـ بل یشمل حفظ الأموال وغیرها.

«تحاضون»: من (الحض)، وهو الترغیب، فلا یکفی إطعام المسکین بل یجب على النّاس أن یتواصوا ویحث بعضهم البعض الآخر على ذلک لتعم هذه السنّة التربویة کلّ المجتمع(2).

وقد قرنت الآیة 33 و34 من سورة الحاقة عدم الإکرام بعدم الإیمان باللّه عزّوجلّ: (إنّه کان لا یؤمن باللّه العظیم * ولا یحض على طعام المسکین)(3).

وتعرض الآیة التالیة ثالث أعمالهم القبیحة: (وتأکلون التراث أکلاً لمَ)(4).

ممّا لا شکّ فیه أنّ الاستفادة من المیراث المشروع عمل غیر مذموم، ولذا فیمکن أن یکون المذموم فی الآیة أحد الاُمور التالیة:

الأوّل: الجمع بین حقّ الإنسان وحقّ الآخرین فی المیراث، لأنّ کلمة «لمّ» بمعنى الجمع، وفسّرها الزمخشری فی الکشّاف بمعنى الجمع بین الحلال والحرام.

وکانت عادة العرب فی الجاهلیة أن یحرموا النساء والأطفال من الإرث لاعتقادهم بأنّه نصیب المقاتلین (لأنّ أکثر أموالهم تأتیهم عن طریق السلب والإغارة).

الثّانی: عدم الإنفاق من الإرث على المحرومین والفقراء من الأقرباء وغیرهم، فإن کنتم تبخلون بهذه الأموال التی وصلت إلیکم بلا عناء، فأنتم أبخل فیما تکدّون فی تحصیله، وهذا عیب کبیر فیکم.

الثّالث: هو أکل إرث الیتامى والتجاوز على حقوق الصغار، وذلک من أقبح الذنوب، لأنّ فیه استغلال فاحش لحقّ مَن لا یستطیع الدفاع عن نفسه.

والجمع بین هذه التّفاسیر الثلاث ممکن(5).

ثمّ یأتی الذّم الرّابع: (وتحبّون المال حبّاً جمّ)(6).

فأنتم.. عبدة دنیا، طالبی ثروة، عشاق مال ومتاع.. ومَن یکون بهذه الحال فمن الطبیعی أن لا یعتنی فی جمعه للمال، أکان من حلال أم من حرام، ومن الطبیعی أیضاً أن یتجاوز على الحقوق الشرعیة المترتبة علیه، بأن لا ینفقها أو ینقص منها.. ومن الطبیعی کذلک إنّ القلب الذی امتلأ بحبّ المال والدنیا سوف لا یبقى فیه محل لذکر اللّه عزّوجلّ.

ولذا نجد القرآن الکریم بعد ذکره لمسألة امتحان الإنسان، یتعرض لأربعة اختبارات یفشل فیها المجرمین.

إکرام الیتیم.

إطعام المسکین.

أسهم الإرث.

وجمعه من طریق مشروع وغیر مشروع.

وجمع المال بدون قید أو شرط.

والملاحظ أنّ الاختبارات المذکورة إنّما تدور حول محور الأموال، للإشارة ما للمال من مطبات مهلکة، ولو تجاوزها الإنسان لسهلت علیه بقیة العقبات فی طریقه نحو التکامل والرقی والسمو.

وثمّة مَن یکون متذبذباً فی الأمانة (بین أن یؤدّی أو یخون)، وهکذا إنسان غالباً ما تصرعه وساوس الشیطان وترمیه فی جانب الخیانة.. أمّا اُولئک الصادقون فی إیمانهم فهم الاُمناء حقّاً فی الرعایة والإهتمام لأداء الحقوق الواجبة والمستحبة للآخرین، ولا تراهم یتهاونون بأدنى درجات التهاون، ومثلهم هو الذی یتمکن من صعود سُلم الرفعة والسمو على طریق الإیمان والتقوى.

والخلاصة: من تجاوز اختبار المال بنجاح، فهو أهلٌ للإعتماد، ومن أهل التقوى والورع، وهو خیر أخ وصدیق، وغالباً ما تراه صالحاً فی کافة مجالات حیاته والمجتمع.

ولذلک، نرى الاختبارات هنا دارت حول محور المال.


1. بحار الانوار، ج 15، ص 120، ووسائل الشیعة، ج 21، ص 375.
2.«تحاضون» فی الأصل «تتحاضون»، وحذفت إحدى التائین للتخفیف.
3.«طعام» هو فی الآیة ذو معنى مصدری أی: «إطعام».
4.«لمَّ» بمعنى الجمع، وتأتی بمعنى الجمع مع الإصلاح أیضاً.
5.«تراث» فی الأصل «وراث»، ثمّ اُبدلت الواو تاءً.
6.«الجم» بمعنى الکثیر، کما جاء فی (مصباح اللغة)، و(المقاییس)، و(الجمّة) الشعر المتجمع فی مقدمة الرأس.
سورة الفجر / الآیة 15 ـ 20 سورة الفجر / الآیة 21 ـ 26
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma