افرض إنَّک على ساحل البحر وخلفک جبال شاهقة نحو السماء، والامواج العاتیة تصفع الصخور بقوة وتعود عنها الى البحر صاخبة. والصخور الضخمة عند سفح الجبل تنبىء عن الجلال فی أعلى الجبل والسماء الزرقاء من فوق قمم الجبال تضج لیلاً عظمة وجلالاً.
تتطلع لحظة الى هذا المشهد، ثم تغمض عینیک وتسترجع فی ذهنک المشهد کما رأیته حجماً وعظمة.
لاشک أنَّ هذه الخریطة الذهنیة بکل حجمها وعظمتها تحتاج الى مکان ولایمکن أنْ ترتسم على خلایا الدماغ الصغیرة، وإلاّ فإنَّ هذه الخریطة الکبیرة یجب أنْ ترتسم على نقطة صغیرة، فی الوقت الذی نرى المنظر فی خیالنا بحجمه الطبیعی.
یدل هذا على أنَّ هناک «جوهر» غیر الدماغ وخلایاه هو الذی یستطیع أنْ یحتفظ بکل مشهد وخریطة مهما کبر حجمها. ولاشک أنَّ هذا الجوهر لابدّ أنْ یکون ماوراء عالم المادة، إذ لیس فی عالم المادة شیء یشبهه.