کلُّ امرىء لابدّ أنْ یعترف فی نفسه بأنَّ وجود النظام دلیلٌ على یأنَّ وراءه عق مفکراً وتخطیطاً وهدفاً. فحیثما شاهد الانسان نظاماً ثابتاً یخضع لقوانین معینة أدرک أن وراءه مصدراً للعلم والقدرة، ولا یحتاج فی هذا الادراک الوجدانی الى الاستدلال حاجة کبیرة.

إنَّه یعرف أنَّ انساناً اُمِّیاً أعمى لیس قادراً على أنَّ یضرب على الآلة الکاتبة مقالة اجتماعیة جیدة أو نقداً أدبیاً، مثلاً، أو إنَّ طفلاً فی الثانیة من عمره لایمکنه بامرار قلمه على الورق عشوائیاً أن یرسم لوحة جمیلة قیمة. إنَّنا إذا طالعنا انشاء جیداً أو مقالة رائعة أدرکنا فوراً أنَّ کاتبها انسان مثقف متمیز بالذکاء و العقل.

کذلک إذا شاهدنا فی متحف لوحة جمیلة جذابة لانشک لحظة فی أنَّ الذی رسمها کان فناناً ماهراً، على الرّغم من أنَّنا لم نر ذلک الفنان بشخصه.

بناء على ذلک حیثما رأینا جهازاً منظماً علمنا أنَّ معه عقلاً وذکاءً. وکلّما کان ذلک الجهاز أکبر وأدق وأروع کان العقل والعلم اللذین أوجداه أکبر وأعظم کذلک.

ولاثبات أنَّ کلّ جهاز منظم یحتاج فی إیجاده الى عقل و علم، یستفید علماء الطبیعة أحیاناً من قانون (حساب الاحتمالات) المعروف فی الریاضیات العالیة، فیبرهنون مثلاً، على أنَّ الشخص الأُمّی إذا أراد أنْ یکتب مقالة أو شعراً بمجرد الضغط عشوئیاً على مفاتیح الآلة الکاتبة بصورة عفویة وتصادفیة، فإنَّ ذلک ـ بحساب الاحتمالات ـ یستغرق بلایین السنین، بحیث لایکفی حتى عمر الکرة الارضیة لانجاز ذلک، (للمزید من التوضیح یمکن الرّجوع الى کتاب «خالق العالم» أو «فی البحث عن الله» ).

یقول قرآن الکریم:

(سَنُرِیهِمْ آیاتِنَا فِی الآفاقِ وَفِی أنْفُسِهِمْ حَتَّى یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أنَّهُ الحَقُّ أوَ لَمْ یَکْفِ بَرَبِّکَ أنَّهُ عَلى کُلِّ شَیء شَهِیْدٌ).(1)

فکّر وأجب

1 ـ هات بعض الامثلة (غیر التی ذکرت فی الدّرس) على أجهزة صناعیة ندرک عند مشاهدتها أنَّ إیجادها یستلزم وجود صانع علیم.

2 ـ ما الفراق بین «آفاق» و «أنفس»؟ هات أمثلة على آیات الله فی الآفاق وفی الأنفس.

(1) سورة فصلت، الآیة 53.