دعونا نفکّر فی المواضیع التّالیة:
1 ـ یقول العلماء: إنَّ أی شخص، مهما کان عنصره و طبقته، إذا ترک و شأنه دون تعلیم أو ارشاد، و دون أنْ یسمع آراء المؤمنین و الملحدین، فإنْ یتّجه بذاته نحوه قوة قادرة قاهرة ترتفع فوق المادة و تحکم الکون بأسره.
إنَّ هذا الانسان یحس أن فی أعماق قلبه وزوایا نفسه نداءً لطیفاً مفعماً بالمحبّة و الرّحمة، و فی الوقت نفسه مکین و ثابت، یدعوه الى المبدأ العظیم و القادر العلیم الذی ندعوه: الله.
ذلک هو نداء الفطرة الطاهرة!
2 ـ وقد ینجرف هذا الشخص مع التیار المادی و حرکة الحیاة الیومیة الزّاخرة بالبهرجة و الزّینة، فینشغل بها موقتاً عن سماع ذلک النداء. و لکنه عندما یوجه الشّدائد و المشکلات و المحن، و عندما تهاجمه الحوادث الطبیعیة المرعبة، کالسیول و الزّلازل و الفیضانات و لحظات القلق فی طائرة تتلاعب بها العواصف. نعم، عندما تقصر یده عن الوصول الى عون مادی، و لایجد ملجأ یلوذ به، یقوى هذا النداء فی داخله، و یحس أن فی کیانه قوّة تجتذبه نحوها، قوّة هی فوق کلّ القوى، و قدرة غامضة یسهل علیها حلّ جمیع المشکلات بیسر.
قلیل جداً من النّاس من لا یتّجه الى خالقه عند مواجهة الازمات و الشّدائد، و لایتذکر الله دون اختیار. هذا الامر هو الذی یدلّنا على مدى قربنا منه، و مدى قربه منّا، بل إنَّه فی أرواحنا و ضمائرنا.
إنَّ نداء الفطرة موجود دائماً فی وجدان الانسان، و لکنه یقوى فی هذه اللحظات.
3 ـ یکشف لنا التّاریخ أنَّ رجالاً من ذوی السّلطة و المقدرة کانوا فی الاوقات العادیة یأنفون حتى من ذکر اسم الله، ولکنّهم إذا ما شعروا بأنَّ قواعد سلطتهم أخذت تهوی، و أنَّ قصور و جودهم بدأت تنهار، راحوا یمدون ید التوسل الى هذا المبدأ العظیم، لإنّ نداء الفطرة عاد یرن فی اسماعهم بجلاء من جدید.
یقول التاریخ: عندما أوشک فرعون على الغرق فی الأمواج المتلاطمة، و رأى أنَّ هذا الماء الذى کان سبب إحیاء بلاده و أساس قوته المادیة، قد أصدر علیه حکماً بالاعدام، و أنّه عاجز حتى عن دفع أمواج هذا الماء، و أنَّ یده قاصرة عن نفعه فی شیء، أخذ یصرخ عالیاً: لا إله ولا معبود سوى إله موسى العظیم. لقد صدرت هذه الصرخة فی الحقیقة، من فطرته الباطنیة، و لایقتصر هذا على فرعون، فکلّ من یمر بظروف مماثلة یسمع هذا النداء نفسه؟
4 ـ إذا رجعت الى أعماق نفسک وجدت أنَّ هناک نوراً یتلألأ فی باطنک و یدعوک الى الله. و لعلک قد صادفت فی حیاتک بعضى الازمات الشّدیدة و الطّرق المسدودة بحیث أنک یئست من العثور على الحل و العلاج. لاشک أنَّک فی مثل تلک الحالات قد خطرت لک حقیقة وجود قوة قادرة فی عالم الوجود تستطیع أنْ تحل مشکلتک بکل سهولة.
فی تلک اللحظات تشعر انک قد احتواک أمل یمازجه فی داخلک حبّ ذلک المبدأ العظیم، و أنَّ ذلک الأمل قد أزاح عن قلبک کلّ سحب الیأس القاتمة.
نعم، هذا هو أقصر الطرق التی تبدأ من داخل المرء للوصول الى الله، بارىء عالم الوجود.
سؤال واحد:
قد یخطر لاحدکم أنْ یسأل نفسه هذا السّؤال: ألا یحتمل أنْ یکون لما لثقافة المحیط و تلقینات والدی أثر فی أنْ أتوجه هذا الاتجاه فی الظروف العصیبة، فأرفع یدی الى الله أطلب عونه؟
إنَّ لک الحقّ فی أنْ یخطر فی بالک هذا السّؤال، ولدینا الجواب المقنع الذی سنورده فی الدّرس التّالی.
یقول الله فی کتابه الکریم:
(فَإذا رَکِبُوا فِی الفُلْکِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ اِلى البَرِّ إذا هُمْ یُشْرِکُونَ).(1)
فکّر وأجب
1 ـ حاول أنْ تحفظ هذه الآیة المذکورة فی أعلاه برقمها و سورتها و تفسیرها لکی تتعرف على لغة القرآن تدریجیاً.
2 ـ هل اتفق لک أنَّ واجهت حادثا معقداً صعباً ولم تجد حولک من تستعین به سوى الأمل فی لطف الله تعالى؟ إشرح ذلک فی مقالة أو فی خطاب قصیر.
3 ـ لماذا نعتبر هذا الطریق أقصر الطرق؟
(1) سورة العنکبوت، الایة 65.
