بعض الناس ما أنْ یطرق سمعهم الکلام على الامامة حتى ینبرون فوراً قائلین إنَّ الظرف الیوم لا یسمح بذلک. فالیوم هو یوم وحدة المسلمین، بینما الکلام عن خلیفة الرسول الاکرم (صلى الله علیه وآله)سیکون مدعاة للتفرقة و تشتت الکلمة، أو أنَّ لنا الیوم أعداء مشترکین یجب أنْ نوجه اهتمامنا الیهم: الصهیونیة والاستعمار الغربی والشرقی. وعلیه یجب أنْ نتجنب المسائل المختلف فیها.
غیر أنَّ هذا الطّراز من التفکیر خطأ محض، للاسباب التالیة:
یأوّ: إنَّ ما یسبب الخلاف والتشتت یدخل ضمن البحوث المتعصبة غیر المنطقیة المثیرة للاحقاد.
أمّا البحث المنطقی الاستدلالی البعید عن التعصب واللجاجة والخصام، والذی یجری فی جو من الود الحمیم، فإنَّه فضلاً عن کونه لا یسبب التفرقة فإنَّه یقلل مسافة الانفصال ویقوی نقاط الالتقاء المشترکة.
إنِّنی فی سفراتی المتکررة لزیارة بیت الله الحرام بمکة، ومن مباحثاتی مع علماء أهل السنة، کنت أحس، کما کانوا هم أیضاً یحسون، بأنَّ هذه المباحثات فضلاً عن کونها لیس لها أی أثر سیء على علائقنا، فانَّها أبعث على التفاهم وحسن الظن، والتقارب وازالة ماقد یکون فی بعض الصدور من ضغینة.
المهم أنَّ هذه البحوث تنیر الکثیر من نقاط الالتقاء فیما بیننا، ممّا
یمکن لنا أنْ نستند الیها فی مواجهة أعداءنا المشترکین.
ینقسم أهل السّنة أنفسهم الى أربعة طوائف:الحنفیة والحنابلة، والشافعیة، والمالکیة، ومع ذلک فان هذا الانقسام لم یتسبب فی تفرقتهم، وإذا ما اعتبروا فقه الشّیعة، على الاقل مذهباً فقهیاً خامساً، فإنَّ الکثیر من العقد والتشتت تزول من الوجود، کما حدث فعلاً بعد أنْ خطا مفتی أهل السنة الکبیر شیخ الازهر الشیخ شلتوت، تلک الخطوة المهمّة باعلانه المذهب الشیعی مذهباً اسلامیاً رسمیاً،فکان بذلک عوناً کبیراً ومؤثراً فی عملیة التفاهم الاسلامی، وانعقدت بینه وبین المرحوم آیة الله البروجردی، مرجع عالم التشیع الکبیر، أواصر الصداقة.
ثانیاً: إنَّنا نعتقد أنَّ الاسلام قد تبلور فی المذهب الشیعی أکثر من أی مذهب آخر. وفی الوقت الذی یحترم مذهب الشیعة المذاهب الاسلامیة، فإنَّنا نعتقد أنَّ المذهب الشیعی أقدر على تعریف الاسلام الصادق بجمیع أبعاده، وعلى حلّ القضایا المتعلقة بالحکومة الاسلامیة.
فلماذا لا نعلّم أبناءنا هذا المذهب والمنطق؟ بل إنَّنا إنْ لم نفعل فقد ارتکبنا خیانة فی حقّهم!
إنَّنا على یقین تام بأنَّ النّبی(صلى الله علیه وآله) قد عیّن خلیفته من بعده، فما الذی یحول دون تتبع هذا الموضوع على هدى الاستدلال والمنطق؟ ونحن ملزمون فی امثال هذه البحوث أنْ نحذر کى لا
نجرح مشاعر الآخرین المذهبیة.
ثالثاً: إنَّ أعداء الاسلام، لکی یوقعوا بین المسلمین ویفکوا وحدتهم لم یألوا جهداً فی اتهام الشیعة عند أهل السنة بشتى التهم والافتراءات، کما أنَّهم لم یألوا جهداً فی إتهام أهل السنة عند الشیعة کذلک، بحیث أنَّهم استطاعوا فی بعض البلدان أنْ یحققوا القطیعة بینهم. إنَّنا عندما نعرض موضوع «الامامة» بالاسلوب الذی سبق ذکره، نوضح النقاط التی یستند علیها الشیعة لتوثیق رأیهم، مع أدلة من الکتاب والسنة، یتبین تماماً أنَّ کل تلک الدعاوی کانت کاذبة، وأنَّ أعداءنا المشترکین هم الذین بثوا تلک السموم.
کمثال على ذلک، لا أنسى إنَّنی فی إحدى زیاراتی للحجاز التقیت أحد کبار رجال الدین السعودیین وجرت بیننا بحوث، فکان یقول أنَّه سمع أنَّ للشیعة قرآناً یختلف عن قرآنهم.
فاستولى علی العجب، ولکنی قلت له: أخی، إنَّ التحقق من هذا الامر سهل للغایة. إنَّنی أدعوک شخصیاً أو من یمثلک أنْ تأتی معی، بعد انتهاء العمرة، الى ایران دون اخبار أحد. هناک ستجد فی کل شارع وزقاق مسجداً، وفی کل، مسجد ستجد عدداً من المصحف الشریف، کما أنَّ القرآن موجود فی بیوت جمیع المسلمین. وسوف نزور أی مسجد شئت، أو نطرق باب أی منزل أردت ونطلب منهم أنْ نرى القرآن الذی یتلونه، وعندئذ یتبین أنْ کان هناک أی اختلاف، حتى فی کلمة واحدة أو فی حرف واحد بین ماعندنا
وعندکم من کتاب الله، بل أنَّ الکثیر من نسخ المصحف الشریف المتداولة عندنا هی من طبع الحجاز أو مصر أو سائر البلاد الاسلامیة.
لا شک إنَّ هذا الکلام الاخوی الصادق المنطقی تماما قد ازال من ذهن أحد الرجالات المعروفین تلک السموم العجیبة.
وعلیه، فإنَّ الحدیث فیما یتعلق بالامامة ـ بالاسلوب الذی ذکرناه ـ یقوی وحدة المسلمین ویساعد على القاء الضوء على الامور ویضیق من شقة التباعد.
