إنَّنا نعرف أناساً لایرون فی الموت معنى الفناء والعدم، لأنَّهم لاینکرون الحیاة بعد الموت، ولکنهم مع ذلک یخافون الموت وذلک لأنَّ صحائف أعمالهم قد اسودت الى درجة أنَّهم إنَّما یخافون العقوبات الألیمة التی یتوقعونها بعد الموت.
إنَّ لهؤلاء الحق فی أنْ یخافوا الموت. إنَّهم أشبه بالمجرمین الخطرین الذین یخافون الخروج من السّجن، لأنَّهم یعلمون أنَّ
خروجهم من السّجن یعنی تعلیقهم على خشبة الاعدام، فهم، لذلک، یتشبثون بقضبان السّجن، لالکرههم الحریة، إنَّما هم یکرهون الحریة التی تقودهم الى المشنقة.
هکذا حال المسیئین، فهم یرون انعتاق أرواحهم من هذا السجن الضیق مقدمة لتحمل أنواع العداب القاسی بسبب ما إرتکبوه من أعمال قبیحة ومن ظلم وجور وفساد، ولذلک فهم یخافون الموت.
أمَّا الذین لایرون فی الموت «فناء»، ولایرون ملفات أعمالهم سوداً، فما الذی یحملهم على الخوف من الموت؟
إنَّهم، بالطبع، یریدون هذه الحیاة بکل کیانهم ویرغبون فیها، لکی یستثمروها فی سبیل حیاتهم الجدیدة بعد الموت، ویعدوا أنفسهم لاستقبال الموت الذی یکون فی سبیل رضا الله، ذلک الهدف الذی یدعو للافتخار والاعتزاز.