قلنا إنَّ الذین ینکرون الله بألسنتهم، إنَّما هم یؤمنون بالله فی أعماقهم. لاشک أنَّ إنجازات الانسان وانتصاراته تثیر فی نفسه الغرور، وخاصة إذا کان هذا الانسان ضیق الافق. و هذا الغرور یؤدی به الى النسیان، بحیث ینسى أحیاناً حتى نظریاته. ولکن عندما تتوالى علیه ضربات الحوادث فی الحیاة، وتعصف به ریاح المشکلات من کل جانب. تنکشف عن عینیه غشاوة الغرور، و تتجلّى فیه فطرة التوحید.
إنَّ فی التاریخ نماذج کثیرة لمثل هذا الانسان. وفیما یلی نموذج لواحد من هؤلاء:
کان هناک وزیر قدیر واسع السّلطة، أمسک بیدیه کل أزمة القدرة، ولم یکن هناک من یستطیع معارضته.
دخل هذا الوزیر یوماً الى مجلس ضم جمعاً من رجال الدین العلماء، فالتفت إلیهم وقال بشیء کثیر من الغرور: الى متى تظلون
تقولون أنَّ للعالم ربّاً؟ إنَّ عندی ألف دلیل یدحض هذا القول.
العلماء الحاضرون کانوا یعلمون أنَّ هذا الوزیر لیس من أهل المنطق والبرهان، وأنه مغتر بقدرته بحیث أنَّ أیة کلمة حق لا تؤثر فیه، ولذا التزموا الصّمت أمامه، ذلک الصمت الملیء بالمعانی والازدراء.
بعد ذلک مضتْ الایّام حتى جاء یوم اتهمت فیه الحکومة هذا الوزیر، و القت القبض علیه وأودعته السجن.
عندئذ خطر لأحد العلماء الذین حضروا ذلک المجلس أنَّ الوقت قد حان لکی یستیقظ هذا الوزیر بعد أنْ ترجل عن صهوة غروره، وازیحت عن عینیه حجب الانانیة، وتنبهت فیه مشاعر تقبل الحق، فقد تنفعه النصیحة. فطلب من المسؤولین السماح له بمقابلة الوزیر: فاذنوا له، ولمّا اقترب من زنزانته وجد أنَّه وحید فیها، وهو یذرع أرض الغرفة جیئة وذهاباً مفکراً ویهمهم ببضعة أبیات من الشعر، مفادها: إنَّنا نشبه صورة الاسد على الرایة وکأنه یهجم، ولکنه فی الحقیقة لایفعل شیئاً، إنّما الریح هی التی تعطیه القدرة على الحرکة، فنحن مهما عظمت قدرتنا فاننا لانملک شیئاً فی ذواتنا.
إنَّ الله الذى منحنا القدرة قادر على أنْ یسلبها منّا وقتما یشاء.
لاحظ العالم أنَّ الرجل فضلاً عن کونه لاینکر وجود الله، فانه قد أصبح یعرفه حق المعرفة. فتقدم إلیه، وبعد تفقد أحواله، سأله قائلاً:
أتذْکر یوم قلت أنَّ عندک ألف دلیل على عدم وجود الله؟ لقد جئت لادحض أدلتک الالف بدلیل واحد: أنَّ الله هو ذلک الذی سلبک فی لحظة واحدة کل تلک القدرة التی کانت لدیک. فأطرق الرّجل برأسه یخج ولم یقل شیئاً، لانه کان معترفاً بخطئه بعد أنْ رأى نور الله فی داخله.
یخاطب القرآن المجید فرعون قائلاً:
(حَتّى إذا أدْرَکَهُ الغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أنَّهُ لا إلهَ إلاّ الّذِی آمَنَتْ بِهِ بَنُوا اِسرائِیلَ).(1)
فکّر وأجب
1 ـ اُکتب نتیجة هذه القصّة فی بضعة أسطر.
2 ـ لماذا سُمّی بنوا اسرائیل ببنی اسرائیل؟
3 ـ من هو فرعون؟ أین کان یعیش؟ وماذا کان یدّعی؟
(1) سورة یونس، الآیة 90.
