نکرر مرّة اُخرى أنَّ الانسان ینبغی الاّ یخلق بیده المشکلات والفواجع لنفسه. ولکن کثیراً مایحدث أنْ تکون الحوادث الصعبة والمفجعة سبباً فی تقویة إرادتنا وزیادة قدرتنا على التحمل، کالفولاذ الذی یدخلونه النّار الحامیة فیزداد قوّة وصلابة.
إنَّنا ندخل أتون هذه الحوادث لنخرج أکثر تجربة وأصلب عوداً.
الحرب حدث سیء ولکن ربّ حرب ضروس طویلة الامد کشفت عن مواهب الشعب الکامنة، وأبدلت تشتته وحدة، وأسرعت فی جبران نواقصه.
یقول أحد المؤرخین الغربیین المعروفین:
«إنَّ کلّ حضارة لامعة ظهرت على امتداد التاریخ فى مکان ما ظهرت بسبب تعرض ذلک الشعب لهجوم دولة عظمى خارجیة، فأیقظت قواه الکامنة وحشدته».
بدیهی أن تأثر جمیع الاشخاص والمجتمعات بحوادث الحیاة المرّة لیس بمستوى واحد، فبعض ینتابهم الیأس ویستولی علیهم الضعف والتشاؤم، فیکون تأثرهم سلبیاً، و بعض آخر لهم الاستعداد یوالاهلیة لیتفاعلوا مع تلک الحوادث تفاع إیجابیاً، فیکون ذلک سبباً فی تحریک مواهبهم ومؤهلاتهم فتفور وتغلی وتسرع لاصلاح نقاط الضعف فیهم.
ولکن بما أنَّ معظم الناس یصدرون أحکاماً سطحیة فی مثل هذه الحالات، فانهم یرون المنغصات ویتذوقون مرارتها، دون الالتفات الى آثارها الایجابیة البنّاءة.إنَّنا لا ندّعی بأن جمیع الحوادث المرّة لها مثل هذه التأثیرات فی الانسان، ولکن لقسم منها، فی الاقل، مثل هذه التأثیرات.
لو إنَّک درست سیرة نوابغ العالم لرأیت أنَّهم فی الاغلب قد کبروا وترعرعوا فی خضم المشکلات والمصاعب. وقلّما تجد بین المتنعمین المرفهین من أظهر شیئاً من النّبوغ فی حیاته ووصل الى مراکز رفیعة. إنَّ القادة العسکریین العظام هم اولئک الذین شهدوا حروباً طویلة صعبة. والعقول الاقتصادیة المتفکرة هی التی صارعت تقلبات الاسواق والازمات الاقتصادیة فی العالم. السیاسیون العظام الاقویاء هم الذین استطاعوا منازلة المشکلات السیاسیة العویصة. باختصار، إنَّ المشکلات وا لآلام هی التی تربى الانسان فی أحضانها. نقرأ فی القرآن الکریم قوله تعالى:
(فَعَسَى أنْ تَکْرَهُوا شَیْئاً وَیَجْعَلُ اللهُ فِیهِ خَیْرَاً کَثیْرَ).(1)
(1) سرة النساء، الآیة 19.
