إنَّ التاریخ الذی یشهد بوجود الادیان على اختلافها عند الأقوام الماضیة منذ أقدم الأزمنة، یشهد کذلک بأنَّ الانسان القدیم کان
یؤمن أیضاً «بالحیاة بعد الموت».
إنَّ الآثار الباقیة من الانسان القدیم، وخاصة من انسان ما قبل التاریخ، فیما یتعلق بطراز تشیید القبور، وطریقة دفن الاموات، تدل جمیعاً على حقیقة کونهم اعتقادهم بالحیاة بعد الموت.
وعلیه لایمکن اعتبار هذه العقیدة العمیقة الجذور فی تاریخ البشر عقیدة بسیطة، ولاکونها عادة لقنت لهم تلقینا.
إنَّنا کلما صادفنا فی تاریخ الانسان عقیدة ذات جذور عمیقة ومستمرة على امتداد العصور، أدرکنا أنَّها عقیدة فطریة، إذ إنَّ الفطرة وحدها هی التی تستطیع أن تقاوم مرور الزمان والتقلبات الاجتماعیة والفکریة المختلفة، وتبقى ثابتة. أمّا العادات والرسوم الخارجیة فما أسرع ما تتبدل أو یلفها النسیان بمرور الزمان.
إنَّک اذ تلبس الطراز الفلانی من الملابس إنَّما أنت تسایر العادات أو الرسوم المتبعة، وهذا سرعان مایعتوره التغییر والتبدل بتقادم الزمان وعوامل أُخرى کثیرة.
أمّا حبّ الأُم لطفلها فانَّه غریزة متمکنة جبلت علیها طبیعتها، لذلک لاینتابه أی تبدل مهما تغیرت الظروف والأحوال، بل تظل شعلته ملتهبة، لا یخفف منه تعاقب الایّام، ولا یحول لونه غبار النسیان، وکل جاذبیة نابعة من داخل الانسان فهی من الفطرة الکامنة فیه.
عندما یقول العلماء:
«لقد أثبتت الدّراسات الدقیقة أن الاقوام الأولى البدائیة من البشر کانت تؤمن بنوع من الأدیان وذلک لأنهم کانوا یدفنون موتاهم بطریقة خاصة، ویدفنون معهم أدوات عملهم، وبهذا یمکن إثبات أنهم کانوا یعتقدون بوجود العالم الآخر».(1)
ندرک أنَّ تلک الأقوام قد تقبلوا فکرة وجود عالم آخر بعد الموت، وإنَّ اخطأوا السبیل الیه، ظانین أنَّه لایختلف بشی عن عالمهم الاول، وأنَّ الأدوات التی کانوا یستعملونها فی الدنیا تنفعهم فی العالم الآخر أیضاً.