المراد بالناصب
قد ذکر فیه وجوه:
الأوّل: أنّه من یستدین ببغض علی(علیه السلام) کما قاله فی «القاموس»: «النواصب وأهل النصب: المستدینون ببغضَة علی(علیه السلام) لأنّهم نصبوا له; أی عادوه»(1).
بل صرّح غیر واحد من أکابر الفقهاء بأنّهم والخوارج سواء; وهم الذین یقدحون فی مولانا أمیرالمؤمنین(علیه السلام).
و«النصب» له معان فی اللغة:
«النصب»: بمعنى التعب والإعیاء، کقوله تعالى: (ذلِکَ بِأَنَّهُمْ لاَ یُصِیبُهُم ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ)(2).
وبمعنى کون شیء علامة للعبادة وغیرها، کما فی قوله تعالى: (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ)(3).
وبمعنى التظاهر بالعداوة، کما مرّ فی کلام «القاموس» ولعلّه یرجع إلى ما قبله. ویدلّ على هذا المعنى روایات، مثل ما رواه ابن أبی یعفور، عن أبی عبدالله(علیه السلام) ـ فی حدیث ـ قال: «وإیّاک أن تغتسل من غسالة الحمّام; ففیها تجتمع غسالة الیهودی، والنصرانی، والمجوسی، والناصب لنا أهل البیت، وهو شرّهم; فإنّ الله تبارک وتعالى لم یخلق خلقاً أنجس من الکلب، وإنّ الناصب لنا أهل البیت لأنجس منه»(4).
وقد مرّ فی مرسلة الصدوق عن النبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم): «صنفان من اُمّتی لا نصیب لهم فی الإسلام: الناصب لأهل بیتی حرباً...».
وأظهر من ذلک ما فی روایة «دعائم الإسلام» عن الصادق(علیه السلام): «أمّا أهل النصب لآل بیت محمّد(صلى الله علیه وآله وسلم) والعداوة لهم من المباینین بذلک المعروفین به الذین ینتحلونه دیناً، فلا تخالطوهم، ولا توادّوهم، ولا تناکحوهم»(5).
الثانی: أنّه من نصب العداوة لأهل البیت(علیهم السلام) سواء جعله دینه، أم لم یجعله، کما یظهر من آخرین.
ولکن لا یبعد رجوعه إلى الأوّل; لأنّهم لم ینصبوا لهم العداوة شخصیاً، بل کانوا یرون ذلک دیناً لهم; لجهلهم، وخبث باطنهم، ودعایات بنی اُمیة لعنهم الله، وغیر ذلک.
الثالث: أنّ المراد منه کلّ من عادى أهل الإیمان من شیعة علی(علیه السلام).
ولایبعد رجوع ذلک أیضاً إلى ما سبق; فإنّ من یعادی الشیعة إن کانت عداوته بسبب حبّهم لأهل البیت(علیهم السلام) فهی ترجع إلى عداوة أهل البیت(علیهم السلام).
نعم، إن کان ذلک بسبب أنّهم یرون الشیعة ـ والعیاذ بالله ـ أهل ضلالة من دون أتباع أهل البیت(علیهم السلام) بل یرونهم ـ بزعمهم الفاسد ـ منحرفین عن مناهج أهل البیت(علیهم السلام)، بل قد یدّعون أنّا نحبّهم دون الشیعة، فهی دعوى باطلة مزیّفة، وحینئذ یبعد کونهم من النصّاب، کما هو کذلک فی زماننا فی بعض الأوساط. ویدلّ علیه ما رواه عبدالله بن سنان، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «لیس الناصب من نصب لنا أهل البیت; لأنّک لا تجد رجلاً یقول: أنا أبغض محمّداً وآل محمّد، ولکنّ الناصب من تنصّب لکم وهو یعلم أنّکم تتولّونا; وأنّکم من شیعتنا»(6).
الرابع: أنّه من قدّم غیر علی(علیه السلام) علیه، ویدلّ علیه ما رواه ابن إدریس فی «السرائر» عن بعض رجاله قال: کتبت إلیه ـ یعنی علی بن محمّد(علیهما السلام) أسأله عن الناصب; هل أحتاج فی امتحانه إلى أکثر من تقدیمه الجبت والطاغوت واعتقاد إمامتهما؟ فرجع الجواب: «من کان على هذا فهو ناصب»(7).
الخامس: أنّ کلّ من خالف فهو ناصب وخارج عن الإسلام; استناداً إلى الروایة المشهورة: «من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة»(8).
وهناک بعض الروایات الدالّة على کفر المخالف، مثل ما سبق من روایة الفضیل بن یسار، وقد نهاه الإمام(علیه السلام) عن تزویج المؤمنة للمخالف، وقال: «إنّ الله عزّ وجلّ یقول: (فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْکُفَّارِ)».
أضف إلى ذلک أنّ هناک روایات کثیرة ـ بل ربما تکون متواترة ـ دالّة على أنّ منکر ولایة علی(علیه السلام) وإمامة الأئمّة(علیهم السلام) کافر(9). ولکن سیأتی الجواب عنه فی المسألة الثامنة.
وعلى کلّ حال: الدلیل على کفر النواصب أنّهم منکرون لما هو معلوم بالضرورة من الدِّین; وهو أنّ محبّتهم مفروضة فی القرآن: (قُلْ لاَ أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبى)(10) وقد صلّى علیهم رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم) فی صلاته، والمسلمون کلّهم یصلّون على آل النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) فی صلواتهم،وقد ثبت قوله(صلى الله علیه وآله وسلم): «من کنت مولاه فهذا علیٌّ مولاه...»(11)حتّى ولو فسّر «المولى» بغیر صاحب الولایة الإلهیةوالأولویة فی التصرّف.
وحکى فی «الجواهر» عن شرح المقداد: أنّ «الناصب» یطلق على خمسة أوجه:
الأوّل: الخارجی القادح فی علی(علیه السلام) والعیاذ بالله.
الثانی: من ینسب إلى أحدهم ما یسقطه عن العدالة.
الثالث: من ینکر فضیلتهم لو سمعها.
الرابع: من اعتقد فضل غیره علیه(علیه السلام).
الخامس: من أنکر النصّ علیه بعد وصوله إلیه وتصدیقه إیّاه(12).
أقول: لاینبغی الشکّ فی أنّ المعنى الأخیر مخالف للسیرة المستمرّة من زمن الأئمّة(علیهم السلام) ـ کما سیأتی إن شاء الله فی المسألة الثامنة ـ إلى یومنا هذا فی تعامل أهل الإیمان معهم ومساورتهم ومناکحتهم من دون إنکار، وهذا من أقوى الشواهد على کون المخالفین من المسلمین; وإن کانوا فی بعض اعتقاداتهم من المخطئین.
وأمّا المعنى الثالث، فهو مخالف لما ورد فی کثیر من الروایات من معاندة الخوارج والنصّاب لهم(علیهم السلام) بل کان بعض النساء فی بیوت الأئمّة(علیهم السلام) ـ وللأسف ـ یشتمن علیّاً علیه آلاف التحیّة والثناء، فلمّا علم الإمام(علیه السلام) بحالها خلّى سبیلها.
ولعلّه إشارة إلى أنّ جماعة کثیرة منهم، لا یتعرّضون لهم(علیهم السلام) لا أنّه لایوجد فیهم من یبغضهم.
وأمّا المعنى الرابع، فمجرّد تقدیم غیرهم(علیهم السلام) لایخرجهم عن الإسلام; للسیرة المستمرّة على معاملتهم معاملة الإسلام وإن کانوا یقدّمون فلاناً وفلاناًعلى علی(علیه السلام)غالباً.
وقد عرفت رجوع المعنى الثانی ـ بل الثالث ـ إلى الأوّل، فلایبقى مجال إلاّ للقول بأنّ المراد من «الناصب» من نصب العداوة لهم ورأى ـ فی زعمه الفاسد ـ أنّ هذا سبب لجلب رضا الله ولم یَرَ فی ذلک بأساً. هذا کلّه فی الناصب.

(1). القاموس المحیط 1 : 138.
(2). التوبة (9): 120.
(3). المائدة (5): 3.
(4). وسائل الشیعة 1 : 220، کتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحدیث 5.
(5). دعائم الإسلام 2 : 199 ـ 200 / 732; مستدرک الوسائل 14 : 439، کتاب النکاح، أبواب ما یحرم بالکفر، الباب 8، الحدیث 1.
(6). وسائل الشیعة 9 : 486، کتاب الخمس، أبواب ما یجب فیه الخمس، الباب 2، الحدیث 3.
(7). وسائل الشیعة 9 : 490، کتاب الخمس، أبواب ما یجب فیه الخمس، الباب 2، الحدیث 14.
(8). وسائل الشیعة 16 : 246، کتاب الأمر والنهی، أبواب الأمر والنهی، الباب 33، الحدیث 23.
(9). راجع: الباب 10 من أبواب حدّ المرتدّ، ففی هذا الباب 57 حدیثاً یدلّ کثیر منها على کفر المخالفین. )منه دام ظلّه(
(10). الشورى (42): 23.
(11). وسائل الشیعة 5 : 286، کتاب الصلاة، أبواب أحکام المساجد، الباب 61، الحدیث 1.
(12). جواهر الکلام 6 : 66.