نکاح إحدى الاُختین فی عدّة الاُخرى
(مسألة 19) : لو طلّق زوجته، فإن کان الطلاق رجعیاً لا یجوز ولایصحّ نکاح اُختها ما لم تنقض عدّتها، وإن کان بائناً جاز له نکاح اُختها فی الحال. نعم، لو کانت متمتّعاً بها وانقضت مدّتها أو وهبها لا یجوز على الأحوط
ـ لو لم یکن الأقوى ـ نکاح اُختها قبل انقضاء العدّة وإن کانت بائنة.
 
حول نکاح إحدى الاُختین فی عدّة الاُخرى
أقول: المسألة تتضمّن على فروع ثلاثة:
أوّلها: أنّه لو طلّق إحدى الاُختین طلاقاً رجعیاً، لایجوز له العقد على الاُخرى إلاّ بعد انقضاء عدّتها، والظاهر أنّه لا خلاف فیه، کما صرّح به فی «المستمسک»(1)، و«الجواهر»(2)، وأرسله العلاّمة فی «التحریر»(3) إرسال المسلّمات، وکذلک ابن إدریس فی «السرائر»(4).
ویمکن الاستدلال له تارة: بما هو المسلّم بین الأصحاب فی الأبواب المختلفة; من أنّ المطلّقة رجعیاً بحکم الزوجة، کما یظهر من الاستقراء أیضاً.
واُخرى: بما رواه أبو الصباح الکنانی، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: سألت عن رجل اختلعت منه امرأته، أیحلّ له أن یخطب اُختها قبل أن تنقضی عدّتها؟ قال: «إذا برئت عصمتها منه ولم یکن له رجعة، فقد حلّ له أن یخطب اُختها...»(5)، فإنّ مفهومها هو الحرمة فی الرجعیة.
ولکنّ الظاهر أنّ سندها ضعیف بمحمّد بن الفضیل، فقد رمی بالغلوّ، ولم یوثّق فی کتب الرجال، إلاّ أنّها مجبورة بعمل المشهور.
واستدلّ أیضاً بروایة زرارة، عن أبی جعفر(علیه السلام): فی رجل طلّق امرأته وهی حبلى، أیتزوّج اُختها قبل أن تضع؟ قال: «لا یتزوّجها حتّى یخلو بطنها»(6); بناءً على حملها على خصوص الرجعیة.
وأحسن منه أن یقال: إنّها مطلقة، خرج منها البائنة، وبقی الباقی تحتها، فتأمّل. والأمر سهل بعد وضوح المسألة.
ثانیها: إذا کانت عدّتها عدّة البائنة فالظاهر جواز عقد الاُخت، کما أنّ الظاهر أنّه لا خلاف فیه بینهم; لعدم دخوله تحت عنوان الجمع بین الاُختین فی النکاح، فیدخل تحت عمومات الحلّ. مضافاً إلى ما عرفت من روایة أبی الصباح الکنانی الدالّة على المقصود، المنجبر ضعفها بعمل المشهور.
ثالثها: إذا کانت فی عدّة التمتّع فالمشهور جواز العقد على اُختها; لأنّها من قسم البائن، وقد صرّح ابن إدریس فی مقام ردّ الروایة الآتیة الدالّة على التحریم: «بأنّها روایة شاذّة مخالفة لاُصول المذهب; لا یلتفت إلیها»(7)، وردّها فی «الجواهر» بإعراض الأصحاب عنه(8)، وهذا کلّه یدلّ على شهرة الفتوى بالجواز.
ولکنّ المحکی عن الشیخ فی «النهایة»(9) وابن حمزة(10) وابن البرّاج(11)، عدم الجواز، وعن «نهایة المرام» لصاحب «المدارک» تعیّن العمل بالروایة الناهیة(13).
واحتاط فی «العروة» فی المسألة: 48 من أحکام المصاهرة بالمنع احتیاطاً وجوبیاً، وقال: «للنصّ الصحیح»(12) ووافقه کثیر من المحشّین، وقد عرفت کلام «تحریر الوسیلة»; وهو: «أنّ الأحوط ـ لو لم یکن الأقوى ـ الحرمة مادام لم تنقضِ عدّة المتعة».
والعمدة فی ذلک: أنّ الأصل وإن کان یقتضی الجواز; لخروجها بتمام المدّة أو بذل الباقی عن الزوجیة خروجاً بائناً، ولکن قد دلّ النصّ الصحیح على عدم جوازه; وهی روایة الحسین بن سعید قال: قرأت فی کتاب رجل إلى أبی الحسن الرضا(علیه السلام):الرجل یتزوّج المرأة متعة إلى أجل مسمّى، فینقضی الأجل بینهما، هل یحلّ له أن ینکح اُختها من قبل أن تنقضی عدّتها؟ فکتب: «لا یحلّ له أن یتزوّجها حتّى تنقضی عدّتها»(14).
وقد رویت هذه الروایة بطرق ثلاث اُخرى عن یونس، وعلی بن أبی حمزة، وأحمد بن محمّد بن عیسى فی «نوادره» کلّهم قالوا: «قرأت فی کتاب رجل إلى أبی الحسن الرضا(علیه السلام)...» فهذه فی الواقع روایات أربع بعضها صحیحة(16).
ولکن مع ذلک حملها فی «التحریر» على الاستحباب(17); أی استحباب الترک، وذکر فی «الجواهر»: «أنّها محمولة على الکراهة»(76); أی کراهة الفعل.
ولکنّ الإنصاف: أنّ جواز نکاح الاُختین کذلک ـ مضافاً إلى کونه مخالفاً لروایة صحیحة صریحة عمل جمع من الأکابر بها ـ یوجب تعطیل حکمة هذاالحکم; لأنّه یمکن الاحتیال بالجمع بینهما; بأن یتمتّع بإحداهما هذا الیوم،وبالثانیة غداً، أو إحداهما صباحاً والاُخرى مساءً، وهکذا، وهذا بعید عن مذاق الشارع الحکیم جدّاً، فالأحوط ـ لو لم یکن الأقوى، کما فی المتن ـ الاجتناب.

(1). مستمسک العروة الوثقى 14 : 259.
(2). جواهر الکلام 29 : 381.
(3). تحریر الأحکام 3 : 472.
(4). السرائر 2 : 537.
(5). وسائل الشیعة 20 : 481، کتاب النکاح، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، الباب 28، الحدیث 1.
(6). وسائل الشیعة 20 : 481، کتاب النکاح، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، الباب 28، الحدیث2. وفی بعض النسخ: «حتّى یخلو أجلها».
(7). السرائر 2 : 537.
(8). جواهر الکلام 29 : 382.
(9). النهایة: 455.
(10). الوسیلة: 293.
(11). المهذّب 2 : 185.
(12). نهایة المرام 1 : 180.
(13). العروة الوثقى 5 : 560.
(14). تهذیب الأحکام 7 : 287 / 1209; الاستبصار 3 : 170 / 622.
(15). وسائل الشیعة 20 : 480، کتاب النکاح، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، الباب 27، الحدیث 1.
(16). تحریر الأحکام 3 : 472.
(17). جواهر الکلام 29 : 382.