حکم اللبن الحاصل من وطء الشبهة
أمّا وطء الشبهة، فظاهر الأکثر إلحاقه بولد النکاح; حتّى ادّعی عدم وجدان الخلاف فیه، وعن الحلّی التردّد فیه; قال المحقّق النراقی فی «المستند»: «هل تنشر الحرمة باللبن الحاصل من وطء الشبهة، أم لا؟ المشهور الأوّل... وعن الحلّی التردّد فیه، ویظهر نوع میل إلیه من «المسالک» و«الکفایة»(1).
وأمّا الحلّی، فقد صرّح فی أوّل کلامه بأنّ الحکم خاصّ لا یشمل ولد الشبهة، وأنّه بحکم النکاح الفاسد، ثمّ قال: «إن قلنا فی وطء الشبهة بالتحریم کان قویّاً» وقال فی آخر کلامه: «ولی فی ذلک نظر وتأمّل»(2).
وفیه أوّلا: أنّ مقتضى الإنصاف إلحاق ولد الشبهة بولد النکاح بل لاینبغی التأمّل فیه; لأنّه ولد حلال تجری فیه جمیع أحکام الولد، من النسب، والإرث، والولایة، والحضانة، وغیرها، ولا وجه لاستثناء حکم الرضاع منها، وهذا استقراء قویّ.
وثانیاً: أنّ الإطلاقات شاملة له; لأنّ عنوان «الولادة» أو «ولدک» ـ فی بعض الروایات ـ عامّ، وکذلک عموم «یحرم من الرضاع...».
اللهمّ إلاّ أن یقال: ولد الشبهة فرض نادر تنصرف الإطلاقات عنه.
واستدلّ له ثالثاً: بأنّه لا شکّ فی ثبوت أحکام الرضاع عندنا بین أهل الکتاب، مع أنّ نکاحهم فاسد عندنا، وأولادهم أولاد شبهة; بمقتضى قوله: «لکلّ قوم نکاح» یعنی أنّه بمنزلة النکاح، لا أنّه نکاح.
وفیه أوّلا: أنّ ظاهر الروایة المعروفة، أنّ نکاحهم على طبق مذهبهم وسنّتهم صحیح، لا أنّه بمنزلة الصحیح، ولذا یترتّب علیه جمیع آثاره، لا من باب التنزیل کما هو المتبادر منها.
وثانیاً: أنّ النکاح الصحیح لا یحتاج إلاّ إلى إنشاء من الطرفین، وهذا حاصل منهم إمّا باللفظ، أو بالکتابة، أو کلیهما، ونحن وإن کنّا نحتاط بألفاظ خاصّة وباللغة العربیة، إلاّ أنّه لا دلیل قطعی على شیء منها.
وقد یتوهّم: أنّ روایات «لکلّ قوم نکاح» ناظرة فی مسألة عدم جواز رمی المجوس وأشباههم بالزنا ـ لبعض ما لا یجوز فی مذهبنا ـ لأنّه عندهم نکاح، لا إلى إمضاء أنکحتهم.
وفیه: أنّ الإشکال نشأ عن عدم تدبّر جمیع روایات هذا الباب، فراجع روایات الباب 83 من أبواب نکاح العبید والإماء من «الوسائل» تجدها عامّة وشاملة للجمیع; ففی روایة أبی بصیر، عن أبی عبدالله(علیه السلام)، قال: «کلّ قوم یعرفون النکاح من السفاح، فنکاحهم جائز»(3)، وراجع أیضاً الباب الأوّل من أبواب القذف، والله العالم.

(1). مستند الشیعة 16 : 232.
(2). السرائر 2 : 552.
(3). وسائل الشیعة 21 : 200، کتاب النکاح، أبواب نکاح العبید والإماء، الباب 83، الحدیث 3.