الآیة الاُولى التی تصرّح بأنّ (الدین) هو أمر فطری وتخاطب النبی (صلى الله علیه وآله): (فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفاً )(1).
ومن أجل التعلیل أو التشجیع على هذا الأمر تقول الآیة بعد ذلک: (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا )(2).
وبما أنّ الإنسجام والتنسیق بین (التشریع) و(التکوین) یعتبر من المسلمات حیث لا یمکن وجود أمر متأصّل فی خلق الإنسان غیر منسجم مع سلوکه، فیمکن أن یکون هذا التعبیر دلیلا على وجوب العمل بأصل التوحید ونفی کلّ شرک.
وللمزید من التأکید تقول الآیة بعد ذلک: ( لاَ تَبْدیلَ لِخَلْقِ اللهِ ).
وهذا یعنی أنّ ما یتجذّر فی أعماق الوجود الإنسانی یستمرّ کأصل ثابت وراسخ ـ وسوف یتضح لنا بأنّ لهذه الجملة معنى غزیر واعجازی، حیث تشیر الدراسات الحدیثة التی یجریها المفکّرون إلى أنّ العلاقات الدینیة هی من أشدّ العلاقات الإنسانیة تجذّراً ورسوخاً وبقاءً على مر التاریخ.
بید أنّ فئة جاهلة وغافلة تقوم بإفساد هذه الفطرة الطاهرة بالشرک، ولذا فإن القرآن یؤکد على المحافظة علیها بذکر کلمة (حنیفاً)(3).
وللمزید من التأکید تضیف الآیة: ( ذلِکَ الدِّینُ القَیِّمُ ).
کلمة «قیّم» من مادة (قیام) واستقامة بمعنى الثابت والراسخ والمستقیم کما جاءت بمعنى القائم بشؤون المعاد والمعاش فی الإنسان(4).
وبما أنّ الکثیر من الناس یغفلون عن هذه الحقیقة ویبتلون بأنواع من عبادة الأصنام، لذا فقد ورد فی آخر الآیة قوله سبحانه وتعالى: ( وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لاَ یَعْلَمُونَ)، والجدیر بالذکر أنّ الفطرة التی جاءت فی الآیة لا تشمل التوحید فقط بل تشمل الدین بجمیع أُصوله وفروعه وسنتطرّق إلى هذا البحث الظریف إن شاء الله تعالى.