2 ـ تاریخ الدیانات وخرافة الوسائط

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الثالث)
1 ـ التوحید یعنی حذف الوسائط!3 ـ التفویض لون من الشرک

کلّما تعمّقنا فی دراسة تاریخ المذاهب والدیانات تتجلّى أمامنا هذه الحقیقة أکثر فأکثر

وهی شیوع الشرک وتعدّد الآلهة (الإله بمعنى الربّ) بین المجتمعات البشریة المختلفة منذ أقدم العصور بشکل أوسع، ولو قمنا بجمع أسماء هذه الآلهة وعقائد المجتمعات البشریة المختلفة لحصلنا على کتاب مفصّل ملیء بالعقائد العجیبة والغریبة والخرافیة، ولا بأس فی الإشارة إلیها بصورة مختصرة، لیطّلع القرّاء على تلک القصّة الطویلة من خلال هذه المقدّمة المتواضعة.

أ) آلهة الروم

کَتَبَ أحد المؤرّخین الغربیین بهذا الصدد: «لم تکن الدیانة الرومیة تشابه ما نصطلح علیه «دین» أبداً، ولم تتضمّن أی تشریع لمعتقدیها، ولم تکن بصدد إصلاح التفسّخ الأخلاقی بین الناس، بل کانت تعلّمهم أفضل السبل لاکتساب رضا الآلهة وعونها.

... وکانت آلهة الروم کثیرة جدّاً ممّا جعل کلّ إله یحظى باتجاه معین! وله دور فی قضیّة معیّنة، فلم یکن لأبواب البیوت إله فحسب، بل والعتبة منها وقواعدها کانت لها أرباب، کما أنّ هناک آلهة مستقلّة تتولّى أمر المحافظة على کلّ فرد من أفراد البشر، فوجود رب النوع الخاص الذی یعلّم الطفل أوّل صرخة، وآخر یعلّمه شرب الماء، وآخر یعلّمه الخروج من البیت وآخر یعلّمه کیف یرجع! وهناک إله خاص لحراثة الأرض وإله آخر خاص بالزراعة وآخر لبذر البذور و(أعداد کبیرة من الآلهة)، ولا عجب فی أن یکون للروم (30) ألف إله! حتّى أنّ أحد شخصیاتهم مازح بقوله: إنّ آلهة بلادنا فی الشوارع والمجتمعات هی أکثر من أفراد شعبنا!»(1).

ب) آلهة الیونان

ویکتب ذلک المؤرّخ أیضاً: (لقد اعتقد المجتمع الیونانی ـ کالکثیر من الاُمم ـ باُلوهیة الظواهر الطبیعیة کلّها نظیر الشمس والرعد والمحیطات والأعاصیر والأنهار والعیون

والریاح والأمطار، وقام بعبادتها واعتقد أنّ هذه الآثار تنشأ من وجود خفی، واعتقد أنّها منشأ الخیر والشرّ ومن هنا قام بعبادتها کی یحصل على کرمها أو یدفع الشرّ بها.

ثمّ یذکر إله الیونان المعروف وهو (زیوس) ابن (کرونوس) وهو المتصوّر لدیهم على شکل إنسان، له الهیمنة التامّة والجبروت وذو جبهة عریضة وشعر کثیف ولحیة کثّة طویلة على شکل حلقات!

کان زیوس ربّ الأرباب وإله البشر فی الیونان ویحیطه عدد کبیر من الآلهة وأرباب الأنواع، وکانت زوجة زیوس (هیرا) تعیش فی السماء.

ویعتقدون أنّ لزیوس أبناء ثلاثة هم: (هرمس) و(آرتمیس) و(آپولون) وهم على التوالی مظاهر المطر وربّ النوع للقمر والشمس!

کما اعتقدوا بآلهة عدیدة اُخرى نظیر آلهة البحر وآلهة الأرض وآلهة جوف الأرض وآلهة العمل(2).

ج) آلهة مصر

أغلب المصریین القدماء اعتقدوا بدیانة تؤمن بتعدد الآلهة، واعتقدوا أنّ إلهاً واحداً هو أعلى من الآخرین عرف بـ (إله الآلهة).

فی مصر القدیمة کان للناس فی کلّ منطقة آلهة ومعبد خاصّ تجاوزت الـ 2000 معبود! تسعة منهم یحظون بذکر أکبر، أحدهم إله الشمس، ثمّ إله الهواء، وإله الفضاء والفرا غ، وإله الأرض وهکذا هناک إله الصحراء والأراضی الخصبة والموات(3).

یقول المؤرّخ الشهیر ویل دیورانت فی (قصّة الحضارة):

«لم تکن فی العالم منطقة تناظر مصر فی تعدّد الآلهة، وکان المصری یعتقد أنّ الخلق ابتدأ من السماء، وکانت سماء نهر النیل أعظم ربّ الأنواع.

وقد اعتقد المصریون بأنّ کواکب السماء لیست أجساماً فحسب بل إنّها تعکس الصورة الخارجیة لأرواح الآلهة الکبیرة مثل آلهة السماء والحیوان والنبات، وقد بلغت حداً أصبحت فیه المعابد المصریة معارض للحیوانات المختلفة»(4).

د) آلهة ایران

إعتقد الإیرانیون قدیماً بالثنویة ثمّ بتعدّد الآلهة وشاع بینهم بصورة تدریجیة عبادة (امشاسبندان) أو الآلهة الستّة، آلهة الحیوانات الألیفة والبیضاء، إله النار، إله المعادن، إله الأرض، وإله المیاه والحیوانات وإله الثوابت والسیارات السماویة(5).

هـ) آلهة الصین

إعتقد الصینیون القدماء أیضاً بأنّ العالم یحکمه أصلان أحدهما (المذکر) أو (الموجَب) أو (النور) والآخر (الأُنثى) أو (السالب) أو (الظلام) وتبعه التفکیر بالثنویة (شانکتی) وهو فحل مظهر لأصل الذکورة وکان یدعى إله الأفلاک، واعتقدوا أنّه هو الذی یجازی الإنسان على أعماله الصالحة والسیّئة فی هذه الدنیا وینزل البلاء الشدید عند العصیان العامّ.

وکانت (هاتن) إلهاً مؤنثاً ویثنى علیه، ثمّ ظهرت آلهة اُخرى تدریجاً وتبدّلت الثنویة إلى تعدّد الآلهة: إله الخصوبة، إله المطر، إله الریاح، إله الثلج، إله النار، إله الجبل و...(6).

و) مشرکو العرب

یؤکّد بعض المؤرّخین والمفسّرین بأنّ العرب کانوا یعتقدون بأنّ الخالق والرزّاق والربّ والمدبّر للعالم إله واحد ویستشهدون بآیات قرآنیة تتحدّث عن إقرارهم فی قضیّة خالقیة الله ورازقیته، وعلیه فإنّ عبادة الأصنام بینهم لم تنشأ من الإعتقاد بتعدّد الآلهة، بل من اعتبارهم الأصنام ذات مقام ومکانة عند الله یرجون منها الشفاعة والقرب من الله، حتّى اعتقد البعض منهم أنّ إلى جانب کلّ صنم شیطان موکول به من قبل الله، وکلّ من یعبد الصنم حقّ عبادته فإنّ ذلک الشیطان یبادر بقضاء حوائجه بأمر من الله!!(7)

ولا یمکن إنکار أنّ طائفة من العرب کانت ترجّح عبادة النجوم، وتعتقد أنّ کواکب خاصّة حین الغروب والشروق تقوم بإنزال المطر وقد عبّروا عنها بـ(الأنواء) وهو جمع نوء ویعنی النجم الذی یمیل إلى الغروب، وقد اعتقدوا بارتباط الحرکة والسکون والسفر والإقامة بهذه النجوم (واعتقدوا بتأثیرها على مصائرهم) وقد شیّدوا معابد کبیرة للشمس والقمر والزهرة وسائر الکواکب(8).

وفی الیمن کان من بین القبائل العربیة من یعبد الکواکب السماویة، فکانت طائفة منها تعبد الشمس وقد أشار القرآن الکریم إلیها فی قصّة ملکة سبأ، وطائفة اُخرى عبدت القمر، واُخرى عبدت نجمة الشعراء، کما عبدت قبائل اُخرى نجوماً اُخرى(9).

ز) آلهة بلدان أخرى

فی بلدان اُخرى مثل الهند والیابان وغیرها ساد الإعتقاد بأرباب الأنواع والآلهة المتعدّدة، کما اعتقد الصابئة (عبّاد النجوم) بأنّ السیّارات السبع هی التی تحرس الأقالیم السبعة وتحافظ علیها (حیث قسّموا الأرض قدیماً إلى سبعة أقسام أُطلق على کلّ قسم منها اقلیم)(10) واعتقدوا أنّها مبدأ الخیرات ودافعة للأضرار عن أهل الأرض.

والإعتقاد بـ (توتم) الذی ساد فی مناطق شاسعة من العالم کان مشابهاً للاعتقاد بربّ الأنواع أیضاً، حیث کان لکلّ قبیلة (توتم) بمثابة الأب وروح القبیلة واعتقد بأنّه على صورة الحیوانات أو ما شاکله.

ح) الإعتقاد بالمثل الأفلاطونیة

إفترض افلاطون لکلّ نوع من أنواع عالم الطبیعة فرداً مجرّداً عقلیّاً، واعتقد أنّه قائم بالذات وبما أنّ هذه الأفراد المجرّدة اعتبرت أمثالا ومظاهر لأسماء وصفات الله وشبیهة للأنواع الطبیعیة فقد اُطلق علیها عنوان (مثال) وجمعه مُثُل على وزن رُسُل.

إعتقد افلاطون أنّ ما له الحقیقة هو المثال وهو المطلق الذی لا یتغیّر ومجرّد من الزمان والمکان وأبدی وکلّی، وأمّا هذه الأجسام الجسمانیة والمادّیة التی نشاهدها متعدّدة وذات زمان ومکان وفانیة فإنّها إنعکاس لتلک، وعلیه تکون نسبة الإنسان الجسمانی لمثاله هو نسبة الظلّ إلى ذی الظلّ.

ولأفراد الإنسان قسط من الحقیقة ما یناسب قربها من المثال، ومن هنا اعتبر افلاطون العالم المحسوس مجازاً وعالم المعقولات حقیقة(11).

إنّ الإعتقاد بالمثل الیونانیة وإن تغایر مع الإعتقاد بأرباب الأنواع لکنّه لا یخلو من تشابه من عدّة جهات ویعتبر شکلا فلسفیاً من أرباب الأنواع الیونانی.

کما أنّ الإعتقاد بالعقول الفلکیة المجرّدة له تشابه مع أرباب الأنواع من جهة.

وإیضاحه: أنّ جماعة من الفلاسفة اعتقدوا بأنّ الله ـ بسبب بساطته من کلّ جهة ـ له مخلوق واحد لا أکثر، وهو مخلوق مجرّد أطلقوا علیه (العقل الأوّل) ثمّ اعتقدوا بأنّ العقل الأوّل لترکّبه من وجود وماهیة فهو الخالق للعقل الثانی والفلک الأوّل، وبهذا الترتیب اعتقدوا بخلق عشرة عقول وتسعة أفلاک!

وقد اعتقد البعض منهم أنّ عدد العقول لا حصر لها، کما اعتقدوا بـ(العقول العرضیة) إلى جانب العقول الطولیة (العقول العشرة التی یکون أحدها مخلوقاً للآخر)، واعتبروها وسائط لفیض الصور النوعیة والمرتبة العلیا للموجودات الجسمیة (مثل أرباب الأنواع والمثل الافلاطونیة)، ولکلّ مفردة من هذه المسائل بحوث مطوّلة ننصرف عنها لأنّها خارجة عن موضوع بحثنا.

المهمّ هنا هو أن نعلم بأنّ القرآن الکریم واجه هذه الأفکار کلّها وفی هذا الوسط الواسع من الأفکار العجیبة والغریبة والملوّثة بالشرک وأمام هذه العقائد والمذاهب الفلسفیة المختلفة التی تُشمّ منها رائحة الشرک قام بعرض توحید خالص فی مسألة الخالقیة وتدبیر العالم وربوبیته وهو بحقّ من معجزات القرآن الکریم.

لقد أبطل القرآن هذه الآلهة الوهمیة وربّ الأنواع الخیالیة وعرّف (الله عزّوجلّ) کربٍّ للعالمین فقط، واعتبر کلّ شیء وکلّ إنسان مخلوقاً له وتحت تربیته وتدبیره، وقام بإفاضة الصفاء على قلوب البشر وأرواحهم بنور الوحدة ووجّه أنظار البشر المشتّتة إلى ذلک الواحد الأبدی.

أجل، إنّ دراسة تلک العقائد المشوبة بالشرک ومطالعتها تفصح عن قیمة التوحید الإسلامی فی منظار أتباع الحقّ.

والطریف أنّ الإسلام قد انبعث من أجواء لا یتحکّم فیها سوى الجهل، وکان الشرک یفرض قوّته على عقول الناس، ولم یکن العالم الخارج عن حدود الجزیرة العربیة متخلّفاً عنها، فقد أشرنا سالفاً إلى أنّ الفلاسفة والمفکّرین کانوا متورّطین بلون من الأفکار المشوبة بالشرک.

ویدلّ ذلک على أنّ طریق التوحید الأصیل لیس أمراً یسمح للإنسان أن یسیر فیه بنفسه، بل لابدّ من ید غیبیة تمتدّ إلیه عن طریق الوحی، ومن أنبیاء یقودونه من وادی الظلمات ویوصلونه إلى معین التوحید الخالص.


1. تاریخ آلبرمالة، تاریخ الروم، ج 1، ص 29 و30، (علامة التعجّب منّا).
2. تاریخ آلبرمالة، تاریخ اُمم الشرق، ج2، من ص 171 إلى ص179 (باختصار).
3. الإسلام والعقائد والآراء البشریة، ص 46.
4. تاریخ الحضارة، ویل دورانت، ج 1، ص 298 و 300 (بإختصار).
5. الإسلام والعقائد والآراء البشریة، ص 34 (بإختصار).
6. المصدر السابق، ص157.
7. بلوغ الأرب، ج 2، ص 197.
8. المصدر السابق، ص 223.
9. الإسلام والجاهلیة، ص 295.
10. یمکن مراجعة معجم البلدان، ج 1، ص 27 للمعرفة التفصیلیة بالأقالیم السبعة وحدودها.
11. کلیّات الفلسفة الإسلامیة وسیر الحکمة فی اوربا وکتب اُخرى.

 

1 ـ التوحید یعنی حذف الوسائط!3 ـ التفویض لون من الشرک
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma