عند مواجهة الأزمات

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الثالث)
الخلق الثابت والراسخإقرار المشرکین

فی الآیات الثانیة والثالثة والرابعة التی یدور البحث حولها (وبتعابیر مختلفة) هناک إشارة إلى قضیّة عامّة وهی أنّ الإنسان حینما یواجه الصعوبات والبلاء الشدید ویعجز عن استخدام الوسائل الطبیعیة یلجأ إلى فطرته الأصیلة فیشرق فی أعماق قلبه نور المعرفة الإلهیّة بعد اختفائه، ویتذکّر مبدأ العلم والقدرة الذی لا نظیر له والذی یسهل علیه حلّ المشکلات کلّها.

ورد فی قسم من الآیة قوله: ( وَاِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا ربَّهُم مُّنِیبِینَ إِلَیهِ ).

ولکن بعد انتهاء الأزمة وهبوب ریاح الرحمة، فإنّ مجموعة منهم یعودون إلى شرکهم (ثُمَّ إِذَا اَذاقَهُم مِّنهُ رَحمَةً إِذَا فَرِیقٌ مِّنهُمْ بِربِّهمْ یُشرِکُونَ ).

وفی موضع آخر یذکر هذا المعنى مقروناً بذکر مصداق واضح من الصعاب والمشکلات حیث تقول الآیة: ( فَاِذَا رَکِبُوا فِى الفُلکِ ) «وأحاطت بهم الأمواج العظیمة والأعاصیر المخیفة وامتلأت قلوبهم رعباً وهلعاً» ( دَعَوُا اللهَ مُخلِصِینَ لَهُ الدِّینَ فَلَمَّا نَجَّاهُم إِلَى البَرِّ إِذَا هُم یُشرِکُونَ ).

وقد أشارت آیة اُخرى إلى اخطار البحر هذه، بصورة جمیلة اُخرى حیث تقول بأنّ الله هو الذی یُسیّرکم فی الصحارى والبحار وعندما ترکبون السفینة وتحرّککم الریاح الطیّبة الهادئة إلى أهدافکم والجمیع یغمرهم الفرح والسرور، وفجأة تهبّ الأعاصیر ویهیج البحر وتأتی الأمواج من کلّ جهة فتهدد الراکبین فی السفینة حتّى یروا الموت بأعینهم وینتابهم الیأس من الحیاة یتذکّرون الله فیدعونه مخلصین ویعاهدونه على أن یکونوا شاکرین له إذا نجّاهم من الهلاک (شکراً مصحوباً بالمعرفة):

( هُوَ الَّذِى یُسَیِّرُکُم فِى البَرّ وَالبَحْرِ حَتَّى إِذَا کُنْتُم فِى الفُلْکِ وَجَرَیْنَ بِهِمْ بِریح طَیِّبَة وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتهَا رِیحٌ عَاصِفٌ وَجاَءَهُم المَوجُ مِن کُلِّ مَکَان وَظَنُّوا اَنَّهُم اُحِیطَ بِهِم دَعَوُا الله مُخلِصِینَ لَهُ الدِّینَ لَئِن أَنجَیتَنَا مِن هَذِهِ لَنَکُونَنَّ مِنَ الشَّاکِرِینَ ).

ولکن هؤلاء عندما ینجّیهم الله من الأخطار الموحشة ویوصلهم إلى ساحل الأمان

ینسون عهدهم مع الله فیشرعون مرّة اُخرى بالظلم بدون حقّ فیسلکون طریق الشرک وهو من أعظم الظلم ویظلمون الذین تحت أیدیهم مغرورین بالنعمة التی هم فیها: ( فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ یَبغُونَ فِى الاَْرضِ بِغَیرِ الحَقِّ).

کما یلاحظ هذا المعنى فی آیتین اُخریین، ففی موضع تقول الآیة:

( فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا اُوتِیتُهُ عَلَى عِلْم).(الزمر / 49)

وفی موضع آخر تقول الآیة: ( وَإذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا کَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ کَأَنْ لَّمْ یَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ ). (یونس / 12)

هذه الآیات الخمس مع أنّها تقصد حقیقة واحدة، بَیدَ أنّ کلّ آیة تتمتّع بخصوصیة ولطافة ولحن خاصّ، ففی بعضها ذکر لأنواع الأضرار والمشکلات والأذى والتی تشمل أنواع الأمراض والبلاء والقحط والآفات والمشکلات.

وفی البعض الآخر إشارة إلى أخطار البحر فقط (من قبیل الأعاصیر والأمواج ودوران المیاه والحیوانات الخطرة الموجودة فی أعماقه والضلال عن الطریق وأمثالها).

وفی الأخرى ترکیز على أخطار الأعاصیر والأمواج.

وفی آیة اُخرى حدیث عن عودة الإنسان للسیر فی طریق الشرک.

وفی آیة اُخرى ذکر لطریق البغی والظلم الذی له مفهوم أوسع من الشرک.

وفی آیة اُخرى إشارة إلى أنّهم یعتبرون المشاکل ناشئة من الله أمّا النعم فانّها منهم، ونقرأ فی آیة، أنّهم یشرکون بأجمعهم، وتذکر آیة اُخرى فئة منهم، وذلک لاختلاف المجتمعات البشریة قسم من الفئة الاُولى وبعضها قسم من الفئة الثانیة.

وتقول آیة اُخرى: إنّهم یعاهدون الله عند البلاء عهداً ینسونه عند استقرار الأوضاع وزوال البلاء، وفی آیة اُخرى یکون الحدیث عن الدعاء والطلب من الله تعالى.

وتقول آیة اُخرى: إنّهم إذا أصابهم شیء من الضرر (التعبیر بـ «مسّ» فیه إشارة إلى هذا المعنى)، ولکن فی آیة اُخرى أنّهم عندما ینتابهم الیأس من الحیاة یقبلون على الله، ولعلّ هذا

الاختلاف إشارة إلى مختلف أفراد البشر حیث یکون البعض من القسم الأوّل والبعض الآخر من القسم الثانی.

وقد ذکرت کلمة (الإخلاص) فی الکثیر من الآیات، حیث تشیر إلى رفض کلّ معبود سوى الله الواحد، وتدلّ على أنّهم حین الدعة والراحة یعبدون الله أیضاً، ولکنّهم یجعلون لله أنداداً سرعان ما ینسونهم عند ارتفاع الأمواج العاتیة أو الأعاصیر الموحشة، ویغمر نور التوحید والوحدانیة قلوبهم ویضیء وجودهم.

ورد فی تفسیر «روح البیان» بأنّ عبدة الأوثان وفی أثناء رحلاتهم البحریة (حیث کانت رحلاتهم محفوفة بالمخاطر، باعتبار أنّ السفر عن طریق البحر مملوء بالحوادث وفی ذلک الزمان أکثر خطراً بالنسبة لعصرنا الحاضر وذلک لافتقارهم للمعدات البحریة المتطورة).

فکانوا یحملون معهم الأصنام، وعند هبوب الأعاصیر العنیفة فانّهم کانوا یلقون أصنامهم فی البحر ویستغیثون بأصوات عالیه، یاربّ! یاربّ!(1).

والأعجب أنّهم کانوا یسمعون من النبی (صلى الله علیه وآله) جمیع الأدلّة المنطقیة الناصعة، لکنّهم لم یؤمنوا، فی حین کانوا یقبلون على الله بکلّ وجودهم عندما یتعرضون للبلاء الشدید، وهذا ممّا یشیر إلى أنّ طریق الفطرة أسمح وأیسر للکثیر من الناس من الطرق الاُخرى.

والجدیرُ بالذکر أنّ القرآن الکریم یحذّر الذین یستجیبون لنداء الفطرة عند الشدة وینسونه عند الرخاء، ویلفت أنظارهم ببیان جمیل بقوله: (أَفَأَمِنْتُم أَنْ یَخسِفَ بِکُمْ جانِبَ البَرِّ أَوْ یُرسِلَ عَلَیکُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لکُمْ وَکیل)(2).

هل هناک إلهان أحدهما للبحر والآخر للبرّ؟! أم أنّ الله قادرٌ فی البحر ولا قدرة له فی البرّ؟! إنّ الله قادر على أن یأمر الأرض بأن تبتلع کل ما موجود علیها فی لحظة واحدة وبواسطة زلزال واحد(3).

الله الذی یأمر الأمواج فی البحار ـ إذن ـ قادر على أن یتّخذ من الأعاصیر والزلازل فی الصحارى جنوداً یهلک بهم الفاسدین.

ویتبع هذه الآیة جواب آخر حیث یقول:

(أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ یُعیْدَکُمْ فِیهِ تَارَةً أُخْرى فَیُرسِلَ عَلَیْکُمْ قَاصِفاً مِّنَ الرِّیحِ فَیُغْرِقَکُمْ بِمَا کَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَکُمْ عَلَیْنَا بِهِ تَبِیع). (الإسراء / 69)

أی أنّکم تظنّون أنّ هذه هی رحلتکم البحریة الأخیرة؟ إنّه خطأ کبیر.


1. روح البیان، ج 6، ص 493.
2. الإسراء، 68.
3. قبل عدّة سنوات وقع زلزال فی شمال أفریقیا وفیه ابتلعت الأرض قریة کاملة ولم یعثروا حتّى على خرائبها!
وقد حدث مراراً أن تهب الأعاصیر وتحمل الحصى والرمال إلى السماء وتلقیها فی نقاط اُخرى، وقد تطمر تحتها قافلة بأکملها.

 

الخلق الثابت والراسخإقرار المشرکین
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma