عندما نلاحظ هذا العالم الواسع نراه على شکل موجودات متفرّقة: الشمس، القمر، السماء، النجوم الثابتة والمتحرّکة، الإنسان، الحیوانات، أنواع النباتات والعناصر المختلفة، ولکن بعد قلیل من الدقّة والدراسة نجد أنّ ذرّات هذا العالم مترابطة ومتّصلة الأجزاء حتّى تبدو وکأنّها شیء واحد، وکلّما تعمّقت دراستنا وترکّزت إزددنا إیماناً بهذا التنسیق والإتّحاد للأسباب التالیة:
1 ـ إنّ أجرام المجموعة الشمسیة مترابطة فیما بینها إلى حدّ تکون فیه کاُسرة واحدة کما هی علیه نظریات العلماء التی تعتقد أنّها کانت فی البدایة شیئاً واحداً متّصل الأجزاء ثمّ انفصلت تدریجیّاً وبقیت مترابطة حتّى بعد افتراقها.
وتقول الأبحاث الفلکیة فی هذا المجال: إنّ مجموعتنا الشمسیة غیر مستقلّة أیضاً، حیث إنّها جزء من مجرّة کبیرة تشکّل مع المجرّات الاُخرى مجموعة واحدة یعمل فیها قانون الجاذبیة حیث یجعلها کسلسلة مترابطة الحلقات کما یعتقد العلماء بأنّ هذه المجرّات کانت بأجمعها شیئاً واحداً متّصلا فانفصلت أجزاؤها تدریجاً.
2 ـ الأجسام المختلفة والمتباینة تماماً تترکّب ـ کما یبدو بالتحلیل النهائی لها ـ من عدد من العناصر المعیّنة وهی تلک ـ الموجودات البسیطة التی اکتشف منها أکثر من 100 عنصر لحدّ الآن، وهذه العناصر رغم اختلافها الشدید فی الظاهر نراها عند تحلیلها إلى أجزاء صغیرة ـ أی الذرّة ـ أنّها متشابهة والفارق فیها هو عدد الألکترونات والبروتونات.
3 ـ من العجیب أن یکون النظام الحاکم على هذه الذرّة هو الحاکم على العالم الواسع أی المجموعات والمجرّات أیضاً حیث تجمع قوّة الجذب والطرد هذه السیارات فی مجموعة واحدة أو الالکترونات فی ذرّة واحدة وفی مدارات خاصّة تدور حول النواة الأصلیة دون أن تنفصل عن بعضها أو تتجاذب فیما بینها.
4 ـ الکائنات فی الأرض وإن بدت لنا متنوّعة، کما فی الألوان التی نشاهدها شدیدة الاختلاف فیما بینها إلاّ أنّنا وبالتحلیل النهائی نصل إلى أنّ کلّ الألوان ترجع إلى أمواج تختلف فی شدّة ذبذبتها وطول أمواجها وقصرها.
5 ـ إنّنا نسمع أصواتاً مختلفة تماماً، ولکن علم الفیزیاء الحدیث یقول: بأنّ هذه الأصوات کلّها، الجمیلة منها والقبیحة، الخفیفة والصاخبة ترجع إلى مُبدىء واحد هو عبارة عن أمواج خاصّة تنشأ هذه الأنواع من اختلاف الذبذبة فیها.
6 ـ للأحیاء أنواع کثیرة جدّاً، فالحشرات وحدها لها مئات الآلاف من الأنواع، والنباتات لها أنواع تفوق ذلک، غیر أنّ علماء النبات والحیوان یقولون: إنّها مرکّبة من مادّة واحدة، ومؤلّفة من الخلایا التی یحکمها نظام واحد، ولذا تجرّب الأدویة التی یراد معرفة درجة تأثیرها فی الإنسان على الحیوانات أوّلا فی الغالب.
7 ـ توصّل العلماء من خلال تحلیل النور المنبعث من الکواکب البعیدة والقریبة إلى هذه النتیجة وهی: أنّ العناصر التی تترکّب منها الکواکب السماویة تشابه الأجزاء التی تترکّب منها کرتنا الأرضیة، وهذا یعنی وجود تناسق عجیب حاکم على مجموعة الأجرام والنجوم فی الکون.
8 ـ القوانین المختلفة التی تحکم الکون مثل، قانون الجاذبیة، وسرعة النور، وقانون الحرکة وأمثالها توجد بنفسها فی کلّ مکان وتتبع منهجاً واحداً، ولذا فإنّ العلماء وبإجراء تجارب على نموذج واحد أو عدّة نماذج فی الأرض اکتشفوا قانوناً شاملا یحکم عالم الوجود کلّه، کما نجد أنّ «نیوتن» اکتشف قانون الجاذبیة الساری فی کلّ المجموعات والمجرّات من رؤیة تفاحة تسقط من شجرة!
وباختصار، کما قرأنا فی الآیة الاُولى من آیات هذا البحث، أنّنا لا نرى أی اختلاف فی خلق الرحمن ولا فطور أو خلل، وکلّما تقدّم العلم والفکر البشری کلّما تجلّت عظمة هذه الآیة وعمقها أکثر فأکثر، وهذا التناسق والوحدة دلیل واضح على وحدة الخالق للعالم.
