لعلّ المجوس لیسوا أوّل من جعل لله شریکاً فی الخالقیة، ولکنّهم أکثر شهرة من غیرهم على الأقل.
إنّهم قسّموا الموجودات إلى مجموعتین: حسنة وسیّئة (خیر وشرّ) وافترضوا لکلّ مجموعة إلهاً (یزدان وأهریمن) أو النور والظلمة، ودلیلهم هو أنّ مخلوق الإله تکون له سنخیة معه، وعلیه لا یمکن أن یکون إله الخیر وإله الشرّ واحداً، فإله الخیر خیر، وإله الشرّ شرّ!
لو کانت موجودات العالم مقسّمة على هذا النحو لأمکن أن یکون الاستدلال صحیحاً، لکن الحقیقة هی أنّه لا یوجد فی عالم الوجود إلاّ الخیر، وما یطلق علیه (الشرّ) أمر عدمی أو أنّه ذو جهة نسبیة، فمثلا نقول: الفقر شرّ، فی حین أنّ الشرّ لیس إلاّ الفقدان لمستلزمات الحیاة، والفقدان أمر عدمی والعدم لیس شیئاً لیکون له خالق.
أو نقول: إنّ لسعةَ النحل ومخالب الحیوان المفترس شرّ وذلک عندما نجعل أنفسنا محوراً ثمّ نحکم بهذا النحو، فی حین لو نظرنا إلى النحل نجد أنّ الابرة فیه وسیلة للدفاع وطرد المهاجمین، والأنیاب والمخالب فی الحیوانات المفترسة وسیلة للصید والتغذّی ولها جانب حیوی بالنسبة إلیها فهی إذن خیر، وعلیه فإنّ الکثیر من الموجودات تتّخذ صورة (شرّیرة) نتیجة لأفکارنا.
وقد یکون جهلنا هو السبب فی اعتبار الأشیاء شرّاً وذلک لعدم علمنا بفوائدها، فمثلا من الممکن أن نعتبر وجود الجراثیم شرّاً لأنّها تسبّب الأمراض ولکن إذا لاحظنا نظریة بعض العلماء فی أنّ الجراثیم المسبّبة للأمراض تدعو خلایا الإنسان إلى معرکة دائمة وفیها تکون أکثر نشاطاً ونمواً ورشداً، ولولا الجراثیم لکان معدّل طول الإنسان لا یتجاوز الثمانین سنتمتراً، ولأصبح ذا جسم ضعیف وعاجز، سنذعن عندما ندرک ذلک أنّ إطلاق الشرّ علیها ناشىء من جهلنا، وبخاصّة أنّ الذی خلق الجراثیم قد أوجد طرق معالجتها فی حالة استفحالها أیضاً.
ونعلم کذلک أنّ بعض الأدویة فی عصرنا الراهن تستخرج من سموم الحیوانات ولهذا الغرض یُربّى کثیر من الأفاعی والحیوانات السامّة الاُخرى، وعلى هذا فإنّ اُبرها وسمومها لیست شرّاً مطلقاً، وستأتی تفاصیل أکثر حول هذا الموضوع فی بحث العدل، بإذن الله.
