تقول الآیة الاُولى بعد الإشارة إلى خلق السماوات: ( مَا تَرى فى خَلْقِ الرَّحمنِ مِنْ تَفاوُت ).
إنَّ هذا العالم الواسع بکلّ ما یتضمّنه من عظمة فهو متناسق ومنسجم ومترابط ومتّحد ومنظّم، وإنّ وجود الاختلاف فی اللون والشکل والوزن وسائر الکیفیات الظاهریة والباطنیة أو الکمّیة أمر طبیعی جدّاً، ولکن الشیء الذی لا وجود له هو عدم التناسق واللانظم والاختلال.
لذا تقول الآیة فی ذیلها: ( فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُور ) والمراد من (فَارْجِعِ البَصَر) هو النظر الدقیق والعمیق، والمخاطب فی هذه الآیة وإن کان هو النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)ولکن من الواضح أنّ المراد هم البشر جمیعاً، وتضیف الآیة: ( ثمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ کَرَّتین یَنْقَلِبْ الَیْکَ البَصرُ خَاسِئاً وهُوَ حَسِیرٌ)(1).
بهذا الاُسلوب یقوم القرآن الکریم وبتعابیر مختلفة بدعوة البشر إلى النظر فی عالم الوجود ولا یکتفی بالدعوة بل یرغبهم ویحرّکهم ویحرّضهم على هذا العمل، کی یعلموا أنّهم لا یجدون خللا أو نقصاً فیه، وعندما لا یرون ذلک فسوف یتعرّفون على حقیقة توحید المُبدىء والوحدانیة ویردّدون جملة (لا إله إلاّ الله) قلباً ولساناً.
هناک نقطة جدیرة بالإهتمام وهی أنّ (نفی الاختلاف) من بین الموجودات فی العالم والذی ورد فی الآیة أعلاه یعنی حسب اعتقاد البعض: نفی العیب والنقص، وقد فسّره البعض بمعنى نفی عدم الإنسجام، وفسّره آخرون بنفی الإضطراب والتزعزع، وبعض بنفی الإعوجاج، وبعض بنفی التناقض، فی حین أنّ الآیة لها مفهوم واسع یشمل کلّ هذه المعانی (هذه المفردة مشتقّة من (فوت) لأنّ المتفاوتین یفقد کلّ منهما الصفات المختصّة بالآخر).