القضیّة الاُولى والأکثر أهمّیة فی باب (صفات الله) الواجب إثباتها لإیضاح مسألة التوحید وصفات الله الاُخرى کالعلم والقدرة وأمثالها هی أنّ ذاته المقدّسة لا متناهیة، فإن ثبتت هذه القضیّة وفُهمت جیّداً تیسّر الطریق إلى جمیع الصفات الجمالیة والجلالیة (الصفات الثبوتیة والسلبیة).
ولإثبات هذا الأمر وهو أنّه تعالى وجود لا نهایة له، لابدّ من ملاحظة النقاط التالیة:
أ) محدودیة الوجود تعنی التقارب مع (العدم) فلولا العدم لا یستقرّ مفهوم للمحدودیة، فعندما نقول: إنّ عمر فلان محدود فإنّه یعنی أنّ عمره سینتهی إلى العدم ومقرون بالعدم، وهکذا بالنسبة لمحدودیة القدرة أو العلم وأمثالها.
ب) الوجود ضدّ العدم ولو کان الشیء مقتضیاً للوجود ذاتاً فإنّه لا یقتضی العدم أبداً.
ج) ثبت فی برهان العلّة والمعلول أنّ سلسلة العلّة والمعلول فی هذا الکتاب یجب أن تنتهی إلى نقطة ثابتة وأزلیة نسمّیها واجب الوجود، أی وجوده ناشیء من أعماق ذاته لا خارجها، وعلیه تکون العلّة الاُولى للکون تقتضی الوجود ذاتاً.
أعِد قراءة هذه المقدّمات الثلاث بدقّة وفکّر فیها جیّداً، فسوف یتّضح أنّ واجب الوجود إذا تحدّد فإنّه یجب أن یکون من الخارج، لأنّ المحدودیة طبق هذه المقدّمات تعنی الاقتران بالعدم، والشیء المقتضی للوجود ذاته لا یقتضی العدم أبداً، ولو اتّصف بالمحدودیة فإنّه راجع إلى عامل خارجی، ویستلزم هذا القول أنّه لیس واجب الوجود لأنّه مخلوق لغیره من حیث حدّه الوجودی ومعلول لغیره.
وبعبارة اُخرى: لدینا واجب الوجود دون شکّ (لأنّ البحث فی التوحید والوحدانیة بعد إثبات واجب الوجود) فإن کان واجب الوجود غیر محدود فمدّعانا ثابت، وإن کان محدوداً فإنّ هذه المحدودیة لیست مقتضى ذاته أبداً، لاقتضاء ذاته الوجود دون اقتران بالعدم، فلابدّ من فرضه علیه من الخارج، ومفهوم هذا الکلام هو وجود علّة خارج ذاته وهو معلول تلک العلّة، وبهذا الحال لا یکون واجب الوجود، والنتیجة هی أنّه وجود غیر محدود من کلّ جهة.
