نصل ممّا ذُکر إلى هذه النتیجة وهی: أنّ التفسیر الثانی والخامس ـ بعد الدراسة الدقیقة ـ هما أقلّ التفاسیر إشکالا، وامّا الإشکال الوارد فی أنّه یخالف الظاهر فی بعض الجهات فإنّه یمکن التغاضی عنه مع توفّر القرینة والنظائر الکثیرة لذلک فی اللغة العربیة وغیرها، ولذا فإنّ الکثیر من المفسّرین المشهورین وعلماء العقائد والکلام قد اختاروهما، کما تتضمّن الروایات إشارات واضحة إلى هذا المضمون وسیأتی ذلک فی البحث المقبل بإذن الله.

وباختصار: إنّ أغلب المحقّقین یعتقدون بأنّ هذا السؤال والجواب الإلهی قد تمّ مع جمیع البشر وبلسان الحال لا القال، أو عن طریق الإستعداد الفطری المودع فی الجنین أو عن طریق الإستعداد العقلی الذی أوجده فیهم بعد البلوغ والکمال العقلی، أحدهما یتحدّث عن الفطرة القلبیة (دون الحاجة إلى استدلال) والثانی یتحدّث عن الفطرة العقلیة التی تعتبر معرفة الله من البدیهیات العقلیة، حیث إنّ دلائله من الوضوح ما یجعل کافّة البشر یدرکون ذلک، صحیح أنّ مجموعة من البشر ینکرون ذلک بلسان القال ویؤیّدون المادیّة، ولکنّا حینما نحلّل کلامهم نراهم یجعلون للمادّة والطبیعة نوعاً من العقل والإحساس، وبعبارة اُخرى أنّهم أطلقوا کلمة (الطبیعة) على (الله)، ونعتقد أنّ الإشارة إلى الفطرة القلبیة هی الأنسب (فتأمّل جیّداً).