یامن تعالى عن الخیال والقیاس والظنّ والوهم

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الثالث)
تمهید1 ـ المفهوم الدقیق لتوحید الذات

تفسّر الآیة الاُولى توحید الذات فی جملة واحدة تفسیراً بلیغاً ورصیناً غنی المعنى حیث تقول (لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَىْءٌ).

ومثل هذا الشیء ـ بالتأکید ـ یکون أعلى من الخیال والقیاس والظنّ والوهم، ولیس بمقدورنا تصوّر ذاته، لأنّ الأشیاء الممکن تصوّرها هی التی لاحظنا أمثالها أو تحصّلت بعد الترکّب والتجزئة، أمّا الشیء الذی لیس له أی مثیل فلا یتناوله الوهم والعقل أبداً، ومعرفتنا تکون بمقدار أنّه موجود ونرى أفعاله وآثاره فی عالم الوجود الواسع، ومن هذه الأوصاف ندرک صفاته إجمالیاً، ولکن لیس بمقدور حتّى الأنبیاء المرسلین والملائکة المقرّبین أن یدرکوا حقیقة ذاته.

والإقرار بهذه الحقیقة هو آخر مرحلة فی سلّم معرفة الإنسان لله عزّوجلّ والحدیث المعروف: «ما عرفناک حقّ معرفتک»(1) المروی عن النبی (صلى الله علیه وآله) بیان لذروة العرفان البشری بالله عزّوجلّ.

والدلیل على ذلک واضح لأنّه کما ذکر فی بحث أدلّة التوحید هو وجود لا متناه ولا نهایة له من کلّ جهة، وکلّ ما سواه محدود ومتناه من کلّ جهة، ولذا لا یمکن قیاسه إلى غیره، وبما أنّ وجودنا وعقولنا وأفکارنا محدودة فإنّا لا نصل إلى کُنه تلک الحقیقة اللامحدودة أبداً.

استناداً إلى هذا التفسیر فإنّ (الکاف) فی (لیس کمثله شیء) تکون زائدة وللتأکید(2)، أی لا یوجد شیء شبیه له أبداً، نعم یمکن أن یفیض سبحانه من وجوده وعلمه وقدرته فی عالم الممکنات ولکن مخلوقاته الممکنة لیست مثله أبداً.

ولکن بعض المفسّرین لم یعتبر (الکاف) زائدة وقالوا: مفهوم الآیة هو (لا یوجد مثیل لله) أی أنّ (مثل) هنا تعنی (الذات) کما نقول: مثلک لا یسلک هذا الطریق المعوج، أی لا ینبغی لک أن تفعل هذا.

وقال البعض أیضاً: إنّ (مثل) هنا بمعنى الصفات، أی لا یوجد موجود یتّصف بأوصاف الله.

وواضح أنّ نتیجة هذه التفاسیر الثلاثة فی بحثنا تکون واحدة وإن کانت تبحث الموضوع من طرق متباینة.

والجدیر ذکره هو أنّنا نقرأ فی حدیث أنّ رجلا جاء إلى الرسول (صلى الله علیه وآله) وسأل: ما رأسُ العلمِ؟ فأجابَ (صلى الله علیه وآله): «معرفة اللهِ حقَّ معرفته وأضاف: أن تعرفه بلا مثال ولا شبه وتعرفه إلهاً واحداً خالقاً قادراً أوّلا وآخِراً وظاهراً وباطناً، لا کفو له ولا مثل له فذاک معرفة الله حقّ معرفته»(3) ومن الواضح أنّ (حقّ معرفته) هذه نسبیة وإلاّ ـ کما قلنا ـ لا یعرفه على ما هو علیه أحد.

فی الآیة الثانیة یعتبر القرآن الکریم القائلین بأنّ الله ثالث أقنوم من الأقانیم الثلاثة(4)کفّاراً: ( لَقَد کَفَرَ الَّذِینَ قَالُوا اِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَة ).

وینبغی الإلتفات إلى أنّ الآیة لم تقل: إنّ الذین یعتقدون بالآلهة الثلاثة کفّار، بل قالت: (إنّ الذین یعتبرون الله أقنوماً ثالثاً أو ذاتاً ثالثة کفّار)، وقد سلک المفسّرون فی فهم مضمون الآیة مسالک مختلفة.

فقال بعضهم: إنّ المراد هم الذین یعتقدون أنّ الله جوهر واحد فی الذوات الثلاثة (الأب) و(الإبن) و(روح القدس)، ویقولون: إنّه واحد فی عین تعدّده، کما أنّ لفظ الشمس یشمل قرص الشمس ونورها وحرارتها والثلاثة واحدة(5).

وبعبارة اُخرى: المراد هو عقیدة (التوحید فی التثلیث) القائلة بأنّ الله فی عین کونه ثلاثة یکون واحداً (وهذا کلام غیر معقول طبعاً لأنّ العدد «ثلاثة» لا یساوی «واحداً» أبداً، إلاّ أن یکون أحدهما مجازیاً والآخر حقیقیّاً).

وقد جاء فی تفسیر القرطبی: إن الآیة تشیر إلى فرق النصارى من الملکیة (أو الملکانیة) والنسطوریة والیعقوبیة لأنّهم یقولون: أب وابن وروح القدس إله واحد(6).

ولکن الظاهر أنّه خطأ لأنّهم نسبوا هذه العقیدة إلى جمیع النصارى فی القول بالتثلیث والتوحید معاً.

والعلاّمة الطباطبائی(رحمه الله) یقول: إنّ ثالث ثلاثة یعنی أنّ کل واحد من هذه الثلاثة: (الأب والإبن وروح القدس، هو إله ینطبق على کلّ واحد منها وهی ثلاث ذوات وفی الوقت نفسه ذات واحدة)(7).

ولکن الآیة تتحدّث فی الظاهر عن غیر هذا کلّه، فالکلام یدور حول الاعتقاد بأنّ الله ذات ثالثة کفر، أی لیس الإعتقاد بالآلهة الثلاثة موجباً للکفر بل جعل الله تعالى فی عرض الموجودات الاُخرى واعتباره الثالث من الذوات الثلاثة، وبعبارة اُخرى اعتبار (الوحدة العددیة) له موجب للکفر (فتأمّل جیّداً).

وقد ورد بیان هذا المعنى بشکل لطیف فی حدیث عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) حیث نقرأ بأنّ أعرابیاً جاء إلى أمیر المؤمنین فی یوم حرب الجمل فقال: یاأمیر المؤمنین أتقول: إنّ الله واحد؟

فحمل الناس علیه وقالوا: یاأعرابی أما ترى ما فیه أمیر المؤمنین من تقسّم القلب؟ فقال أمیر المؤمنین (علیه السلام): دعوه فإنّ الذی یریده الأعرابی هو الذی نریده من القوم; ثمّ قال: «یاأعرابی إنّ القول فی أنّ الله واحد على أربعة أقسام، فوجهان منها لا یجوزان على الله عزّوجلّ، ووجهان یثبتان فیه، فأمّا اللذان لا یجوزان علیه فقول القائل: واحد یقصد به باب الأعداد فهذا ما لا یجوز، لأنّ ما لا ثانی له لا یدخل فی باب الأعداد أما ترى أنّه کفر من قال إنّه ثالث ثلاثة; وقول القائل: هو واحد من الناس یرید به النوع من الجنس فهذا ما لایجوز لأنّه تشبیه وجلّ ربّنا وتعالى عن ذلک وأمّا الوجهان اللذان یثبتان فیه فقول القائل: هو واحد لیس له فی الأشیاء شبه کذلک ربّنا; وقول القائل: إنّه عزّوجلّ أحدیُّ المعنى یعنى به أنّه لا ینقسم فی وجود ولا عقل ولا وهم کذلک ربّنا عزّ وجلّ»(8).

القسم الثالث والأخیر عبارة عن سورة التوحید التی ترسم وحدانیة الله بأروع الصور وتتضمّن کلاماً جامعاً ینفی تثلیث النصارى والثنویة (عبادة الإثنین) لدى المجوس وشرک المشرکین، فتقول أوّلا: (قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ)، وهو تعبیر یدلّ على أنّ أسئلة مختلفة قد طُرحت على نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله) حول المعبود الذی یدعوهم إلیه، فاُمر أن یشرح لهم جمیعاً حقیقة التوحید بهذه الجمل القصیرة المرکّزة المعنى.

«أحد»: وأصلها (وَحَد) من (وحدة) إستبدلت الواو فیها بالهمزة ولذا یعتبر الکثیر أنّ (أحد) و(واحد) بمعنى واحد، وقد اُشیر إلى هذا المضمون فی بعض الروایات وکلاهما إشارة إلى الذات التی لا مثیل له(9).

وقد فرّق البعض بین (أحد) و(واحد)، فقالوا تارةً: إنّ (أحد) من الصفات المختصّة بالله لأنّه لا یطلق على الإنسان وغیره، أمّا (واحد) فانّه لیس کذلک.

وقالوا تارة اُخرى: إنّ (واحد) یستعمل فی الإثبات والنفی ولکن (أحد) یستعمل فی النفی فقط.

وقالوا تارةً ثالثة: إنّ (أحد) إشارة إلى وحدة الذات و(واحد) إشارة إلى وحدة الصفات.

وقالوا رابعة: إنّ (أحد) یطلق على الذات التی لا تتقبّل الکثرة لا فی الخارج ولا فی الذهن، ولذا لا یمکن عدّه بعکس الواحد الذی یتصوّر له الثانی والثالث.

وقالوا خامسة: إنّ (أحد) إشارة إلى بساطة ذات الله عزّوجلّ ونفی أی جزء عنه، فی حین أنّ (واحد) فیه إشارة إلى وحدانیة ذاته قبالة أن یکون له مثیل، غیر أنّ تلک التفاسیر الخمسة لا تمتلک دلیلا واضحاً، فمثلا یقال: یوم الأحد، ویطلق الواحد على الله فی القرآن: (إِلَهٌ وَاحِدٌ). (البقرة / 163)

وکما أنّ «أحد» استعمل فی جملة ثبوتیة کما فی سورة البحث وآیات قرآنیة اُخرى(10).

فالصحیح هو أن نقول بأنّ الإثنین یشیران إلى معنى واحد.

على کلّ حال، یعتقد بعض المفسّرین أنّ جملة (الله أحد) هی أکمل وصف لمعرفة الله یمکن أن یستقرّ فی عقل الإنسان، لأنّ کلمة (الله) تشیر إلى الذات التی لها صفات الکمال کلّها وفی (أحد) إشارة إلى نفی الصفات السلبیة کلّه(11).

والقرآن الکریم فی إکمال هذه الآیات یقول: ( اَللهُ الصَّمَدُ ) فهو إله قائم بالذات وغنی ویقصده کلّ المحتاجین ویتوجّهون إلیه.

وکلمة «صمد» کما فی (مقاییس اللغة) لها أصلان: أحدهما یعنی القصد، والثانی الصلابة والإستحکام، وعندما تستعمل بصدد الله تعالى فإنّ معناها هو الغنی المطلق الذی یتوجّه إلیه کلّ المحتاجین، وتعنی أیضاً الذات الواجبة الوجود والقائمة بذاتها.

ومن الممکن أن یرجع الأصلان إلى أصل واحد، لأنّ الذات المستحکمة والصلبة والقائمة بذاتها تکون غنیّة ـ طبعاً ـ وموضعاً لتوجّه جمیع المحتاجین، وعلیه فإنّ (صمد) یمکن أن یکون إشارة إجمالیة إلى جمیع الصفات الثبوتیة والسلبیة لله تعالى، ولعلّه لهذا الدلیل ذُکرت معان کثیرة لـ (صمد) فی الروایات الإسلامیة حیث یشیر کلّ واحد منها إلى إحدى صفات الله(12).

على أیّة حال، لا تخفى العلاقة بین هذه الآیة والآیة السابقة لها التی تتحدّث عن وحدانیة الله، لأنّ واجب الوجود والغنی وحاجة جمیع الموجودات إلیه تستلزم أن یکون واحداً وأحداً.

وفی الآیة اللاحقة تأکید آخر على حقیقة التوحید حیث ترد عقیدة النصارى فی الآلهة الثلاثة (الأب، والإبن، والواسطة بینهما)، وتبطل عقیدة الیهود بأنّ عزیر ابن الله، کما تبطل عقیدة المشرکین العرب فی أنّ الملائکة بنات الله، أجل، إنّها ومن أجل نفی هذه الاُمور کلّها وأمثالها تقول: (لَمْ یَلِدْ وَلَمْ یُولَدْ).

ومن المسلّم به أن یکون للوجود الذی له ولد أو والد شبیه ومثیل، لعدم إمکانیة إنکار الشبه بین الأب والإبن، وعلیه لا یمکن أن یکون واحداً ولا مثیل له.

ولذا یقول بعد هذه الآیة: (وَلَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُوَاً أَحَدٌ).

وعلیه فإنّ الآیات الثلاثة من هذه السورة تؤکّد على أحدیة الله المقدّسة ووحدانیته وعدم الشبیه والمثیل له، وبعبارة اُخرى تکون کلّ آیة فی هذه السورة تفسیراً للآیة السابقة لها، وبمجموعها أوضحت مسألة التوحید بشکل جامع وتامّ وتجسّدت شجرة التوحید الطیّبة بکلّ أغصانها وأوراقها.


1. بحار الأنوار، ج 3، ص 14.
2. جاء فی تفسیر روح المعانی: إنّ بعض المفسّرین اعتبر (مثل) زائدة ولکن أشکل علیه أبو حیّان وقال: الإسم لا یکون زائداً فی اللغة العربیة أبداً.
3. بحار الأنوار، ج 3، ص14.
4. «الأقنوم» بمعنى الأصل والذات وجمعه أقانیم، وهو تعبیر یطلقه النصارى على الآلهة الثلاثة فی مسألة التثلیث.
5. تفسیر الکبیر، ج 12، ص 60.
6. تفسیر القرطبی، ج 44، ص 2246، وقد جاء هذا المعنى أیضاً فی تفاسیر اُخرى مثل روح البیان والمنار فی ذیل آیة البحث.
7. تفسیر المیزان، ج6، ص 73.
8. بحار الأنوار، ج 3، ص 206، ح 1.
9. المصدر السابق، ص 222.
10. الآیات: التوبة، 6; النساء، 43; مریم، 26; البقرة، 180; الکهف، 19; وآیات کثیرة اُخرى.
11. تفسیر الکبیر، ج 32، ص 180.
12. راجع التفسیر الأمثل، ذیل الآیة 2 من سورة الاخلاص.

 

تمهید1 ـ المفهوم الدقیق لتوحید الذات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma