«الوهّابیون»: جماعة لا تزال تحکم الحجاز وهم أتباع (محمّد بن عبدالوهّاب) الذی استمدّ أفکاره من (ابن تیمیة، أحمد بن عبد الحمید الدمشقی) المتوفّى عام 728ه .
استطاع محمّد بن عبدالوهاب خلال السنوات ما بین عام 1160 إلى 1206 هـ التی مات فیها وبتعاون مع الحکّام المحلّیین وإثارة نیران العصبیة القاسیة بین القبائل التی تجوب صحارى الجزیرة أن یدمّر معارضیه ویستلم زمام الحکم بصورة مباشرة وغیر مباشرة وقد أریقت دماء کثیر من المسلمین فی الجزیرة وغیرها.
وبعد موته هاجم أتباعه العراق عن طرق صحراء الجزیرة ودخلوا کربلاء واستغلّوا عطلة عید الغدیر وسفر الکثیر من أهالیها إلى النجف فاقتحموا سور المدینة ونفذوا إلى داخلها وشرعوا بهدم صحن الإمام الحسین (علیه السلام) والأماکن المقدّسة الاُخرى ونهبوا الأبواب الثمینة والهدایا النفیسة من المرقد الحسینی وأموال الناس!
لقد قام اُولئک بهدم قبور عظماء الإسلام فی الحجاز عام 1344هـ بحیث استوت مع الأرض باستثناء قبر النبی (صلى الله علیه وآله) خوفاً من سخط المسلمین!
ویمتاز الوهّابیون بالتعصّب والقسوة والفظاظة وعدم الرحمة والتحجّر والسطحیّة ویعتقدون بأنّهم المدافعون عن التوحید الخالص فی هذا المجال، وینکرون الشفاعة وزیارة القبور والتوسّل بالقادة العظام ویصبّون جلّ اهتماماتهم تقریباً فی هذا السبیل، وقد رفض المسلمون قاطبة (سنّة وشیعة) أفکار هذه المجموعة بل وکفّرهم بعض العلماء(1).
ولم یختص البحث هنا عن هذه المجموعة وعقائدها وقبائحها وسیکون لنا کلام مختصر هنا بمقدار ما یرتبط ببحث عقائدهم فی التوحید فی العبادة.
إنّهم یقولون: لا یحقّ لأحد أن یطلب الشفاعة من النبی (صلى الله علیه وآله) لأنّ الله تعالى یقول: (ل تَدعُوا مَع اللهِ اَحَداً ).
ویقول مؤلّف کتاب (الهدیة السنّیة) وهو من الوهّابیین: من جعل الملائکة والأنبیاء وسائط بینه وبین الله لما لهم من قرب إلهی فهو کافر ومشرک ویباح دمه وماله وإن نطق بالشهادتین وصلّى وصام!(2)
وله منطق مشابه فی التوسّل وزیارة قبور الأنبیاء والأئمّة والصالحین.
إنَّ الخطأ الکبیر الذی یرتکبه الوهّابیون القشریون هو أنّهم تصوّروا أنّ موجودات هذا العالم لها تأثیر مستقل ولذا اعتقدوا أنّها تزاحم توحید الأفعال والتوحید العبادی لله فی حین أنّ هذا المعتقد هو نوع من الشرک!
وللإیضاح نقول: الموحّد الکامل یرى أنّ الوجود المستقلّ القائم بذاته فی الکون واحد فقط وهو الله عزّوجلّ، وسائر عالم الوجود ممکن ومرتبط بوجوده، فکلّه انعکاس لشمس وجوده ولیس له استقلالیة من نفسه فکما کان محتاجاً فی حدوثه فإنّه محتاج إلیه ومتعلّق به فی بقائه أیضاً، فکلّ ما یملکه الموجود فإنّه منه، وتأثیر الأسباب منه فهو مسبّب الأسباب، وهذا هو معنى جملة (لا مؤثّر فی الوجود إلاّ الله)، لا أن نسقط الأسباب من سببیتها أو نعتقد أنّها مستقلّة فکلاهما خطأ وغیر صحیح وبعید عن حقیقة التوحید.
بناءً على ذلک إذا کان النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) مالکاً للشفاعة فإنّ ذلک بإذنه کما یقول القرآن:
(مَا مِنْ شَفِیع إِلاَّ مِن بَعدِ اِذْنِهِ). (یونس / 3)
وعندما یحیی السیّد المسیح (علیه السلام) الموتى ویُبرىء الأعمى والمبتلین بالأمراض المستعصیة فإنّ ذلک بإذن الله أیضاً: ( واُبرِئُ الاَْکْمَهَ وَالاَْبْرَصَ وَاُحْىِ الْمَوْتى بِإِذنِ اللهِ). (آل عمران / 49)
وعندما یستطیع (آصف بن برخیا) وهو وزیر سلیمان ومَن وصفه القرآن ب : (الَّذِى عِنْدَهُ عِلمٌ مِنَ الْکِتَابِ) أن یأتی بعرش بلقیس فی طرفة عین ـ کما یصرّح به القرآن ـ من بلاد سبأ إلى سلیمان فی الشام فإنّه کما قال: ( مِن فَضلِ رَبِّی). (النمل / 40)
ولکن الوهّابیین الغرباء عن القرآن وقعوا فی خلط کبیر وتصوّروا أنّ هذه الأعمال التی تصدر عن هؤلاء العظماء تصدر منهم بالإستقلال، ولذا قاموا من أجل حلّ المشکل بإنکار بعض الضرورات فی الدین مثل مسألة الشفاعة.
وعلیه فإنّ هؤلاء ومن أجل تثبیت قواعد التوحید کما یزعمون سقطوا فی وادی الشرک ووادی إنکار ضرورات الدین والقرآن، وللشهید المطهّری (رحمه الله) کلام جمیل فی هذا المجال ننقل خلاصته حیث قال تحت عنوان (حدود التوحید والشرک):
1ـ الإعتقاد بموجود غیر الله سبحانه لیس شرکاً ذاتیاً کما یعتقد أنصار الوحدة النوعیة للوجود، لأنّ هذه الموجودات مخلوقة ومرتبطة به لا أنّها نظیرة له.
2 ـ لا یعتبر الإعتقاد بتأثیر المخلوقات شرکاً فی الخالقیة (کما یعتقد الأشاعرة والجبریون) لأنّ المخلوقات کما أنّها لیست مستقلّة ذاتیاً فإنّها غیر مستقلّة فی تأثیراتها أیضاً، بل أنّها تابعة له.
3 ـ لو اعتقدنا بالتأثّر المستقلّ للمخلوقات وقلنا أنّ عالم الخلق أمام الله کالماکنة والساعة التی یصنعها الصانع فهی بحاجة إلیه فی حدوثها ولا تحتاجه بعد صناعتها لأنّها تعمل حتّى لو ارتحل صانعها من الدنیا، فهذا هو الإعتقاد بالتفویض وهو لون من الشرک (إعتقاد المعتزلة).
4 ـ الإعتقاد بقدرة الموجودات التی تفوق الطبیعة وتأثیراتها فی العالم بإذن الله وأمره
لیس شرکاً کما یظنّ الوهّابیون، بل إنّ اعتقادهم یمثّل أسوء ألوان الشرک، لأنّنا لو اعتبرنا ذلک شرکاً لکان الإعتقاد بأصل وجود الموجودات شرکاً أیضاً.
وهکذا فإنّ الإعتقاد بقدرة الإنسان وتأثیره بعد رحیله من الدنیا لا یعدّ شرکاً، لأنّ الإنسان لا یکون جماداً بعد موته.
ثمّ إنّ اعتقاد الوهّابیین یتّسم باللاإنسانیة حیث ینزلون الإنسان منزلة الحیوان الطبیعی وهو الذی اعتبره الله خلیفة له وأعلى منزلة من الملائکة الذین سجدوا له.
وهنا نصل إلى حقیقة الحدیث الشهیر الوارد عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) ویقول فیه ما نصّه: «إنّ الشرک أخفى من دبیب النمل على صفاة سوداء، فی لیلة ظلماء»(3).
والطریف أنّ الردّ على الوهّابیین موجود فی الآیة التی یستدلّون بها على إنکار الشفاعة و(التوسّل)، لأنّ القرآن الکریم یقول: (فَلاَ تَدعُوا مَعَ اللهِ اَحَد). (الجن / 18)
ویعنی المثیل الذی یکون فی عرضه وعلى هیئة الموجود المستقلّ کذاته المقدّسة، ولکن إذا کان تأثیره بإذنه وأمره لا فی عرضه فإنّ ذلک لیس شرکاً فحسب بل فیه تأکید جدید على أصل التوحید الذی ینتهی کلّ شیء إلیه.
وهذا یشابه ما طلبه اُخوة یوسف من أبیهم یعقوب وکان نبیّاً عظیماً وقد تقبّل ذلک منهم حیث قالوا: (یَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَ). (یوسف / 97)
فاستجاب لهم وقال: ( سَوفَ أَسْتَغفِرُ لَکُم رَبِّى). (یوسف / 98)
هذه هی حقیقة التوحید فی العبادة، وتوحید الأفعال التی ستتمّ الإشارة إلیها ولیس کما یظنّه الوهّابیون المتحجّرون.
1. کتب أحد العلماء السنّة وهو (إحسان عبداللطیف البکری) رسالة بإسم (الوهّابیة فی نظر علماء المسلمین) أوضح فیها آراء علماء الإسلام العظام حول الوهّابیة ومحمّد بن عبدالوهّاب ودوّن الوثائق کلّها بدقّة فی آخر الکتاب وقائمة بعناوین الکتب التی تردّهم حیث تبلغ 50 کتاباً لمحقّقی البلدان الإسلامیة المختلفة، وهذا الکتاب دلیل واضح على تنفّر المسلمین عموماً من هذه المجموعة المنحرفة.
2. الهدیة السنّیة، ص 66.
3. مقدّمة فی الرؤیة الکونیة للشهید المطهّری، ص 113 (مع الإختصار).
