3 ـ شواهد حیّة على فطریة الإیمان بالله

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الثالث)
2 ـ فطرة العقل أم القلب؟4 ـ الفطرة فی الروایات الإسلامیة

ربّما یقال بأنّ هذه کلّها ادّعاءات ولا سبیل لإثبات مثل هذه الفطرة فی المعرفة الإلهیّة، فمن الممکن أن أدّعی بأنّی أشعر بهذا الإحساس فی قلبی أی من أعماق روحی، ولکن کیف أقنع شخصاً یرفض هذا الکلام؟ لدینا شواهد کثیرة بإمکانها إثبات فطریة المعرفة الإلهیّة بشکل واضح جدّاً، بنحو یفحم المنکرین، ویمکن تلخیصها فی أقسام خمسة:

 

أ) الحقائق التاریخیة

إنّ الحقائق التاریخیة التی تمّت دراستها من قِبَل أقدم المؤرّخین فی العالم تدلّ على عدم وجود دین لدى الأقوام السابقة، بل کان کلّ قوم یؤمنون بمبدأ العلم والقدرة فی عالم الوجود ویعبدونه، ولو سلّمنا بوجود حالات نادرة فی هذا الأمر، فإنّ هذه القضیة لا تضرّ بالأصل العام الذی یحکم بأنّ المجتمعات البشریة کلّها کانت دائماً على طریق عبادة الله (کل قاعدة کلیّة لها استثناءات نادرة).

المؤرّخ الغربی الشهیر (ویل دیورانت) فی کتابه (قصة الحضارة) یُقرّ بهذه الحقیقة بعد الإشارة إلى بعض الموارد فی الإلحاد الدینی ویقول: «إلى جانب هذه القضایا التی ذکرناها فإنّ الإلحاط الدینی من الحالات النادرة، وهذا الإعتقاد القدیم بأنّ التدیّن حالة بشریة عامّة یتطابق مع الحقیقة...».

«تعتبر هذه القضیّة من القضایا التاریخیة والنفسیة الأساسیة لدى الفیلسوف، فهو لا یقول بأنّ الأدیان مملوءة باللغو والباطل بل یلتفت إلى هذه الحقیقة وهی أنّ الدین کان مع التاریخ منذ أقدم العصور»(1).

ویقول فی تعبیر آخر بهذا الشأن: «أین تکمن التقوى التی لا تفارق قلب الإنسان أبداً؟»(2).

کما یقول فی کتابه (دروس التاریخ) وبتعبیر ساخط ومتألّم: «للدین مائة روح، کلّما تقتله فإنّه یسترجع الحیاة مرّة اُخرى!»(3).

ولو کان الإیمان بالله والدین ناشئاً عن تقلید أو تلقین أو دعایة من قبل الآخرین لما کان عاماً وشاملا بهذا الحجم ولما استمرّ طیلة التاریخ، وهذا أفضل دلیل على أنّه أمر فطری.

ب) الآثار التاریخیة

إنَّ الآثار المتبقّیة من عصور ما قبل التاریخ (أی ما قبل اختراع الخطّ وکتابة أحوال الإنسان) تدلّ على أنّ البشر ما قبل التاریخ کانوا یعتقدون بالدین ویؤمنون بالله والمعاد والحیاة بعد الموت، بدلیل أنّهم کانوا یدفنون الأشیاء التی یحبّونها معهم کی یستفیدوا منها بعد الموت! کما أنّ تحنیط أجساد الأموات حفظاً لها من الإندثار، وبناء المقابر نظیر (أهرام مصر) لتبقى أزماناً متمادیة دلیل على إیمان الأسلاف بالمبدأ والمعاد.

صحیح أنّ هذه الأعمال تدلّ على اقتران إیمانهم الدینی بخرافات کثیرة إلاّ أنّها دلیل على أنّ الإیمان الدینی فی مراحل ما قبل التاریخ لا یمکن إنکاره.

ج) الدراسات النفسیة واکتشافات علماء النفس

إنّ الأبعاد الروحیة للإنسان ومیوله الأساسیة هی أیضاً دلیل واضح على فطریة العقائد

الدینیة، وهی أربعة میولات سامیة وأصیلة عبّر عنها بعض علماء النفس بأنّها الأبعاد الأربعة لروح الإنسان وتشمل: (1 ـ حبّ العلم، 2 ـ حبّ الجمال، 3 ـ حبّ الخیر، 4 ـ حبّ الدین) وتمثّل شاهداً حیّاً على هذا الأمر(4).

وقد اعتبرها بعض العلماء خمسة أبعاد هی: (1 ـ مقولة البحث عن الحقیقة، 2 ـ مقولة الخیر الأخلاقیة، 3 ـ مقولة الجمال، 4 ـ مقولة الإبداع، 5 ـ مقولة العشق والعبادة)(5).

ویبدو أنّ مقولة الإبداع لا تنفکّ عن مقولة البحث عن الحقیقة.

على أیّة حال فإنّ حبّ العلم یوجِد فی الإنسان میلا شدیداً نحو العلم وفهم أسرار عالم الوجود، وهذا الإحساس یشمل الاُمور المؤثّرة وغیرها فی حیاته.

ونرید أن نعلم کیف کانت الدنیا قبل ملیار عام وکیف ستکون بعد ملیار عام؟ دون أن تکون لهذه الاُمور فی فهمها على الحیاة الفردیة والاجتماعیة تأثیرات عملیة، فهذا الحسّ هو السبب فی ظهور العلوم والمعارف.

إنَّ الجمال الذی یشعر به کلّ إنسان فی أعماقه هو الذی یدفعه إلى الإبداع وهو المصدر الأساس لکلّ الفنون.

وإنَّ حبّ الخیر هو السبب فی ظهور الأخلاق والإلتزام فی الإنسان تجاه المبادیء من قبیل العدل، الحریة، الصدق، وأمثالها، ومن الممکن أن لا یلتزم کثیر بهذه المبادیء عملیّاً غیر أنّه لا ریب فی ارتیاح قلوبهم لها.

البعد الرابع لروح الإنسان والمعبّر عنه أحیاناً بالمیل نحو الکمال المطلق أو البعد المقدّس والإلهی هو الذی یدفع الإنسان نحو الدین، وهو یؤمن بوجود ذلک المُبدیء العظیم بدون حاجة إلى دلیل خاصّ، ویمکن أن یقترن هذا الإیمان الدینی بألوان من الخرافات وینتهی بعبارة الأصنام والشمس والقمر، غیر أنّ بحثنا یدور حول الأساس فیه.

د) فشل الدعایة ضدّ الدّین

نحن نعلم بأنّ دعایات شدیدة لا مثیل لها من حیث السعة شُنّت ضدّ الدین فی القرون الأخیرة وخاصّة فی الغرب بالاستفادة من الأسالیب والوسائل المختلفة.

وکانت بدایاتها فی مرحلة النهضة العلمیة فی اوربا (رنسانس) وفیها تحرّرت المحافل العلمیة والسیاسیة من ضغوط الکنیسة وطغى التیار المعارض للدین (کان الدین المسیحی هو السائد وقتئذ فی اوربا) إلى درجة تُطرح فیها الأفکار الملحدة فی کلّ مکان واستغلَّوا مکانة الفلاسفة وعلماء العلوم الطبیعیة بشکل خاصّ لرفض الاُسس الدینیة کلّها حتّى فقدت الکنیسة مکانتها المرموقة، وانعزل رجال الدین فی اوربا وأصبح الإیمان بوجود الله والمعجزات والمعاد والکتب السماویة فی عداد الخرافات.

وغدا من المسلّمات لدى کثیر منهم أنَّ البشریة مرّت بمراحل أربع هی: (مرحلة الأساطیر، مرحلة الدین، مرحلة الفلسفة، ومرحلة العلم) وحسب هذا التقسیم یکون الدین قد انقرض فی مرحلة سابقة!

والعجیب أنّ کتب علم الإجتماع الحدیثة التی تمثّل الصورة المتکاملة لعلم الإجتماع السائد آنذاک تفترض هذه القضیّة من المسلّمات، وهی أنّ الدین یمثل عاملا طبیعیّاً یتردّد بین الجهل والخوف والمتطلّبات الاجتماعیة والاُمور الاقتصادیة، فهناک اختلاف بصددها!

صحیح أنّ السلطة الدینیة الحاکمة (أی الکنیسة) فی القرون الوسطى هی التی یجب أن تدفع الثمن بسبب استبدادها وظلمها وتعاملها السیّ مع الناس بصورة عامّة وعلماء الطبیعة بصورة خاصّة، إضافةً إلى اهتمام الکنیسة بالشکلیات والمظاهر وبالاُمور التی لا تستحقّ الإهتمام ونسیان المحرومین من طبقات المجتمع، لکن العیب فی هذا الأمر هو أنّ الکلام لم یکن عن البابا والکنیسة فحسب بل عن المذاهب فی العالم کلّها.

وقد دخل (الشیوعیون) کغیرهم المیدان لیقضوا على الدین بکلّ ما یمتلکون من قوّة، وسخّروا جمیع الأجهزة الإعلامیة وأفکار فلاسفتهم من أجل ذلک وسَعَوْا سعیهم لإظهار الدین وکأنّه افیون الشعوب!

بید أنّا نشهد أنّ هذه التیارات العاتیة ضدّ الدین لم توفّق لاجتثاث الجذور الدینیة المغروسة فی القلوب والقضاء على النشاط الدینی، وها نحن الیوم نرى باُمّ أعیننا انتشار الوعی الدینی بشکل واسع من جدید حتّى فی البلدان الشیوعیة، والأخبار التی تتناقلها وسائل الإعلام تحکی عن الرعب المتزاید الذی یعیشه الحکّام فی هذه المناطق إزاء المیول الدینیة وخاصّة الإسلامیة، کما نلاحظ فی الأقطار الشیوعیة ـ التی تبذل محاولات یائسة وفاشلة للقضاء على الدین ـ ظهور حرکات تطالب بانتشار الدین.

هذه الحقائق تدلّ بصورة واضحة على تجذّر الدین فی أعماق (الفطرة) البشریة، وبذلک استطاع أن یواجه التیارات الإعلامیة المعارضة العاتیة ولولاها لانقرض تماماً.

هـ) التجارب الشخصیة فی الأزمات

إنَّ أغلب الناس جرّبوا هذه الحقیقة فی حیاتهم وهی: أنّ الإنسان حینما یواجه مشکلات قاتلة، وشدائد الحیاة الصعبة، ویُبتلى بدوّامات البلاء وحینما توصد بوجهه الأبواب ویبلغ السیل الزبى، ففی هذه اللحظات المضطربة یورق أمل فی أعماق روحه، فیتجه إلى الله سبحانه القادر على حلّ المشکلات کلّها فیتعلّق به ویستمدّ العون منه.

ولا یستثنى من ذلک حتّى الأشخاص الذین لیس لدیهم میول دینیة حیث تصدر منهم ردود فعل روحیة عند تعرّضهم للأمراض الخطرة والهزائم الماحقة وهذه شواهد على الحقیقة التی تتحدّث عنها الآیات القرآنیة السابقة حول فطریة المعرفة الإلهیّة.

نعم، فی زوایا قلب الإنسان وأعماق روحه نداء لطیف ملیء بالرحمة وقوی وبیّن یدعوه إلى الحقیقة الکبرى، وهی (الله) القادر والمتعالی والعالم، وبحثنا یدور حول الإیمان بتلک الحقیقة لا عن تسمیتها.

و) شهادة العلماء على فطریة الدین

لیست قضیّة فطرة (معرفة الله) قضیّة مطروحة فی القرآن الکریم والروایات الإسلامیة

فحسب، بل إنّ کلمات العلماء والفلاسفة من غیر المسلمین والشعراء عامرة بها:

فمثلا، یقول اینشتاین فی حدیث طویل: «إنّ العقیدة والدین موجودان فی الجمیع دون استثناء... إنّی اُسمّیه (الشعور الدینی للخلق).. فی هذا الدین یشعر الإنسان الصغیر بآمال وأهداف البشریة العظیمة والجلال الکامن خلف هذه القضایا والظواهر، إنّه یرى وجوده کسجن، وکأنّه یرید التحرّر من سجن الجسم لیدرک الوجود کلّه کحقیقة واحدة»(6).

ویقول العالم الشهیر باسکال:

«للقلب أدلّة لا یدرکها العقل»(7).

ویقول ویلیم جیمز:

«إنّی أقرّ تماماً بأنّ القلب هو المصدر للحیاة الدینیة، کما اُقرّ بأنّ القواعد الفلسفیة تشابه موضوعاً مترجماً کُتب نصّه بلغة اُخرى»(8).

ویقول ماکس مولر:

«لقد خضع أسلافنا لله فی عصور لم یکونوا قادرین فیها حتّى على إطلاق اسم على الله»(9).

وهو القائل فی موضع آخر: «خلافاً لما تقوله النظریة الشهیرة بأنّ الدین ظهر أوّلا بعبادة الطبیعة والأشیاء والأصنام ثمّ وصل إلى عبادة الله الواحد، فلقد أثبت علم الآثار بأنّ عبادة الله الواحد کانت سائدة منذ أقدم الأیّام»(10).

ویقول المؤرّخ الشهیر (بلوتارک):

«لو لاحظتم العالم فإنّکم ستجدون أماکن کثیرة لا عمران فیها ولا علم وصناعة وسیاسة ودولة، ولکنّکم لا تجدون موضعاً لیس فیه الله»(11).

ویقول صموئیل کینغ فی کتاب (علم الإجتماع): «کان لجمیع المجتمعات البشریة لون من الدین وإن قام علماء الأنساب والرحالة والمبشّرون (المسیحیون) الأوائل بذکر أسماء مجموعات لا تدین بدین أو مذهب، ولکن أقوالهم ـ کما عُلم فیما بعد ـ لم یکن لها أساس من الصحّة فأحکامهم ناشئة فقط من ظنّهم بأنّ أدیان اُولئک یجب أن تشابه دیننا»(12).

ونختم هذا البحث بکلام لـ (ویل دیورانت) المؤرّخ المعاصر الشهیر حیث قال: «إن لم نتصوّر للأدیان جذوراً فی عصر ما قبل التاریخ، فإنّنا لا یمکن أن نتعرّف على حقیقتها فی التاریخ»(13).


1. قصة الحضارة، ویل دیورانت، ج 1، ص 87.
2. المصدر السابق، ص 89.
3. الفطرة للشهید المطهّری، ص 153.
4. راجع مقالة (کوونتایم) فی کتاب (الحسّ الدینی أو البعد الرابع لروح الإنسان).
5. الفطرة، للشهید المطهّری، ص64.
6. العالم الذی أراه، ص 53 (بتلخیص).
7. مسیرة الحکمة فی اوربا، ج 2، ص 14.
8. المصدر السابق، ص 321.
9. مقدّمة الدعاء، ص 31.
10. الفطرة للشهید المطهّری، ص 148.
11. مقدّمة الدعاء، ص 31.
12. علم الإجتماع لصموئیل کینغ، ص 191.
13. قصّة الحضارة، ج 1، ص 88.

 

2 ـ فطرة العقل أم القلب؟4 ـ الفطرة فی الروایات الإسلامیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma