تتحدّث الآیة الثانیة أوّلا عن حجج الیهود وتقول: (یَسْئَلُکَ اَهلُ الکِتَابِ اَن تُنَزِّلَ عَلَیهِم کِتاباً مِّنَ السَّمَاءِ). قال جماعة فی تفسیرها أنّ مرادهم کان بأن ینزل علیهم کتاباً مخطوطاً على قراطیس معلومة من السماء لیشاهدوه بعیونهم ویلمسوه بأیدیهم(1).
وقالت جماعة اُخرى: إنّ مرادهم هو لماذا لم ینزل جمیع القرآن مرّة واحدة على النبی(صلى الله علیه وآله)؟! والقرآن یجیبهم: لا عجب من هذا الطلب الخاوی لهؤلاء المعاندین اللجوجین بعد مشاهدة المعجزات والقرائن التی تصدّق دعوة نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله): (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى اَکْبَرَ مِن ذَلِکَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهرَةً)! وبسبب هذا الطلب الخاطئ: (فَأَخَذَتهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلمِهِم).
أجل، إنّهم ظلموا أنفسهم وراحوا یتعلّلون، وحبسوا عقولهم فی إطار الحسّ ولم یسمحوا لها بالتجرّد من هذا النطاق الضیّق إلى اُفق عالم ما وراء الطبیعة، ولهذا أنزلت علیهم صاعقة من السماء وأهلکتهم غیر أنّ اللطف الإلهی ودعاء موسى(علیه السلام) قد أدرکهم أخیراً وواصلوا حیاتهم مرّة اُخرى، والعجیب أنّ هذا الحدث العجیب لم یوقظهم، حیث مالوا إلى السامری فی اقتراحه بعبادة العجل! ونقرأ فی الآیة: (ثُمَّ اتَّخَذُوا العِجلَ مِن بَعدِ مَا جَاءَتهمُ البَیِّناتُ)، وکأنّهم لم یُؤمنوا إلاّ بالإله المحسوس، ولم تقوَ أرواحهم على العروج إلى عالم ما وراء الطبیعة.
ومرّة اُخرى شملهم اللطف الإلهی حیث تقول الآیة فی ذیلها: ( فَعَفَونَا عَن ذَلِکَ وآتَینَا مُوسَى سُلطَاناً مُّبِیناً ).
والمراد من (سلطان مبین) هنا هی الحکومة التی أعطاها الله عزّوجلّ لموسى(علیه السلام) فقد غلب المعارضین من الناحیة الظاهریة ومن الناحیة المنطقیة والاستدلالیة، ویعتقد بعض المفسّرین کالطبرسی فی مجمع البیان بأنّ النصر هنا من الناحیة المنطقیة فقط(2).
1. وقد وافق على هذا صاحب التفسیر فی ظلال القرآن، ج2، ص583 وقد نقله الفخر الرازی ویبدو تفسیراً مناسباً وإن لم یتعارض مع التفسیر الثانی.
2. تفسیر مجمع البیان، ج 3، ص 134.
