یعتبر الشرک وعبادة الأصنام من الوسائل التی استخدمها المستکبرون والمستعمرون بشکل دائم لأنّه:
أوّلا: إنّ البسطاء من الناس یُعتبرون وسائل طیّعة للمستکبرین، ولذا یکون التحرّک الاستعماری دائماً باتّجاه الجهل والغفلة فی أوساط المستضعفین، ویسعى باستمرار إلى صدّ الناس عن الوعی والیقظة والعلم والفکر وغلق أی نافذة للتحقیق فی وجوههم وإغراقهم فی التقلید الأعمى الذی ینشأ منه الجهل المطبق کما یقول القرآن عن فرعون: (فَاسْتَخَفَّ قَومَهُ فَأَطَاعُوهُ ). (الزخرف / 54)
وبما أنّ الشرک قائم على عبادة الأوهام والظنون فإنّه عامل مؤثّر فی استغفال الجماهیر، وهو أداة نافعة لتحقیق أهداف المستکبرین.
ثانیاً: یعتبر الشرک عاملا من عوامل الاختلاف والتفرّق فیوعِز لکلّ قوم بأن یتّخذوا معبوداً لهم، فیدفع مجموعة لعبادة الشمس، ومجموعة لعبادة القمر، ویشغل مجموعة ب (هبل)، ومجموعة بـ (اللات) و(العزّى)، حتّى انقسم المجتمع العربی الصغیر فی الجزیرة إلى مئات المجموعات بسبب عبادة الأصنام المختلفة، على عکس التوحید الذی یمثّل حلقة الوصل بین القلوب ورابطاً وثیقاً بین الأفکار.
ونعلم أیضاً أنّ الاختلاف ما دام قائماً فإنّ المستعمرین فی راحة بال، وأنّ مقولة (فرّق تسد) تُعدّ من أقدم المبادئ الاستعماریة، فلا عجب فی أن یکون الفراعنة ونمرود وأبو سفیان وأمثالهم من أنصار الشرک وعبادة الأصنام.
ثالثاً: یهدف المستکبرون دائماً إلى أن یخضع الناس لهم وکأنّهم آلهة ویتلقّون أوامرهم کأوامر مقدّسة لا نقاش فیها.
ومن الواضح أنّ من یسجد للحجر والخشب یکون أکثر تقبّلا للآلهة البشریة، ولذا أخذ فرعون ینادی فی مصر (أنا ربّکم الأعلى) واعتبر نفسه أعلى من الآلهة کلّها.
بناءً على هذه الجوانب الثلاثة فلا عجب أن تتواکب الأفکار الاستعماریة مع الشرک وعبادة الأصنام، وأن یکون خطّ الأنبیاء الذی یمثّل خطّ القضاء على الاستعمار والاستضعاف هو خطّ التوحید والیقظة والوعی، لنتذکّر مرّة اُخرى الحدیث المروی عن الإمام الصادق (علیه السلام) الذی قال فیه: «إنّ بنی اُمیّة أطلقوا للناس تعلیم الإیمان ولم یطلقوا تعلیم الشرک لکی إذا حملوهم علیه لم یعرفوه»(1).
إنّ هذا المضمون وان لم یصرّح به فی الآیات القرآنیة إلاّ أنّه اُشیر إلیه کما نقرأ فی الآیة: (وَلَو تَرى اِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِم یَرجِعُ بَعضُهُم إِلَى بَعض القَولَ یَقُولُ الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا لَولاَ اَنتُم لَکُنَّا مُؤمِنِینَ). (سبأ / 3)
1. اُصول الکافی، ج 2، ص 415.
