العلاقة بین الأفول والحدوث

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الثالث)
إبراهیم (علیه السلام) یواجه عبدة الأصنام بمنطق قوی:1 ـ برهان الحرکة ومقدّماته

لقد استدلّ إبراهیم (علیه السلام) باُفول الکواکب والشمس وغروبها على نفی اُلوهیتها، وقال بأنَّ هذه الموجودات لا یمکنها أن تکون آلهة للعالم، والکلام هنا کیف یمکن توضیح هذه العلاقة؟

توجد هنا آراء مختلفة:

1 ـ (الأُفول) علامة التغییر، بل هو لون من التغییر، والتغییر دلیل على نقص الموجود، لأنّ الموجود الکامل من کلّ جهاته لا تتَصوّر فیه الحرکة ولا التغییر لأنّه لا یفقد شیئاً ولایکتسب شیئاً فهو الکمال المطلق، وعلى ذلک فإنّ الموجـودات المتغیّرة والمتحرّکـة تکـون نـاقصة حتماً فهی إمّا تفقد کمالا، أو أنّها تبحث عن کمال جدید، والموجود الناقص لا یمکن أن یکون واجب الوجود.

2 ـ الموجود المقرون بـ (الاُفول) معرّض للحوادث، وکلّ ما کان معرّضاً للحوادث لا یمکن أن یکون قدیماً وأزلیّاً وواجب الوجود لاستلزامه الجمع بین (الحدوث) و(الأزلیة) وبین هاتین الظاهرتین حالة من التضاد.

3 ـ کلّ حرکة تحتاج إلى محرّک من الخارج، فـإن کان ذلـک المحرّک متحرّکاً فعلینا أن نبحث عن محرّک آخر حتّى نصل إلى وجود لیس فیه حرکة مطلقاً.

4 ـ الحرکة ـ وخاصّة الحرکة نحو الاُفول ـ دلیل على أنّ عالم المادّة صائر إلى الفناء ] وهو أصل الکهولة و(الأنتروبی) الذی سنشیرُ إلیه وکلّ ما کان مصیره الفناء لا یکون أبدیّاً حتماً، ومثل هذا الموجود لا یکون أزلیّاً قطعاً، وبذلک لا یمکن أن یکون واجب الوجود.

إنَّ کلّ واحدة من هذه الاستدلالات التی ذکرت یمکن أن تکون لها القابلیة على استدلال النبی إبراهیم (علیه السلام) بها، ویمکن أن یکون کلام إبراهیم إشارة طریفة إلیها جمیعاً.

ینقل (الفخر الرازی) عن بعض المحقّقین: أنّ استدلال إبراهیم من السمو والشمول ما یجعله مورداً لاستفادة الخاصّة والمتوسّطین والعوام.

أمّا الخاصّة فانّهم یفهمون حقیقة (الإمکان) من (الاُفول) وکلّ موجود ممکن هو بحاجة إلى خالق، وهذه السلسلة متّصلة حتّى تنتهی بالطاهر المنزّه من الإمکان ولا سبیل إلى ذاته، کما نقرأ فی قوله تعالى: ( وأَنَّ إلَى رَبِّکَ المُنتَهَى). (النجم / 42)

وأمّا المتوسّطون فانّهم یفهمون من الاُفول مطلق الحرکة وأنّ کلّ متحرّک حادث وکلّ حادث محتاج إلى وجود القدیم الأزلی، وأمّا العوام فانّهم یفهمون الغروب من الاُفول ویشاهدون الشمس والقمر والکواکب تمحى وتضمحل عند الغروب وتزول سلطتها وحکومتها، ومثل هذه الأشیاء لا تصلح للاُلوهیة، إذن جملة: ( لا اُحبُّ الآفِلِینَ) کلام یستفید منه (المقرّبون) و(أصحاب الیمین) و(أصحاب الشمال) وهذا أکمل وأوضح برهان(1).

ومن هنا یتّضح لماذا لم یستند إبراهیم (علیه السلام) إلى طلوع هذه الکواکب مع أنّ الطلوع والغروب کلاهما مصداقان للحرکة؟ وذلک لأنّ ظاهرة الزوال والفناء وانقطاع الفیض والبرکة یشاهد فی الغروب تماماً فی حین لا یشاهد ذلک فی الطلوع.

وعلیه فإنّ الفصاحة والبلاغة تقتضیان أن یکون الإعتماد على (الغروب) لکی تتوضّح القضیّة أکثر، وتکون مقبولة تماماً لدى جمیع الطبقات، وهذه النقطة جدیرة بالملاحظة أیضاً وهی أنّ الحرکة ـ کما سیأتی ـ لها أنواع وأوضحها هی (الحرکة فی المکان) وقد استند إلیها فی الآیة (الحرکة المکانیة هنا مقترنة بالحرکة الکیفیة، لأنّ کیفیة النور فی هذه الکواکب تتغیّر مع الحرکة وتکون ضعیفة النور عند الغروب حتّى تختفی عن الأنظار).

یعتقد بعض الفلاسفة أنّ هذه الآیة تتضمّن إشارة إلى برهان الحرکة حیث یقول تعالى: (وَتَرَى الجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدةً وهِىَ تَمرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللهِ الَّذى أَتْقَنَ کُلَّ شَىء إِنَّهُ خَبیرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ). (النمل / 88)

فیقول اُولئک بأنّ هذا التعبیر ناظر إلى (الحرکة الجوهریة) وهی الحرکة التی تکون فی ذات الأشیاء وباطنها، الحرکة التی تدلّ على أنّ عالم المادّة بأجمعه حادث ویحتاج إلى خالق ]سیأتی شرح هذا الکلام فی باب الإیضاحات بإذن الله [ولکن بناءً على أنّ الآیة ناظرة إلى حقیقة (الحرکة الجوهریة) فانّها لا تشیر إلى الاستدلال التوحیدی ولا إلى الاستفادة من ظاهرة الحرکة لإثبات وجود الله (تأمّل جیّداً).

ویعتقد أغلب المفسّرین بأنّ هذه الآیة ترتبط بأشراط الساعة (أشراط الساعة هی الأحداث المروّعة التی تحدث عند قیـام القیامة وخـاصّة تَحَرُّک الجبال وتلاشیها ثمّ صیرورتها غباراً کما جاء فی آیات عدیدة من القرآن الکریم)(2).

ولکن کما قلنا فی التفسیر الأمثل: إنّ هذا المعنى لا ینسجم مع ظاهر الآیة، لأنّ تلاشی الجبال قبیل قیام الساعة مروّع إلى درجة یجعل الإنسان یعیش وحشة عظیمة فی حین تقول الآیة بأنّک لا تعلم بحرکة الجبال.

ولهذا نعتقد أنّ الآیة تشیر إلى حرکة الجبال المواکبة لحرکة الأرض فی الدنیا وتشبیها بحرکة السحاب، وجملة (ترى) فیها إشارة إلى الوضع الموجود والتعبیر بـ ( صُنْعَ اللهِ الَّذِى أَتْقَنَ کلَّ شَىء) وذیل الآیة: (اِنَّهُ خَبِیرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)کلاهما دلیلان على أنّ الآیة ترتبط بحرکة الجبال فی هذه الدنی(3).

ویعتقد البعض الآخر بأنّ الآیة 29 من سورة الرحمن: ( یَسْئَلُهُ مَنْ فِى السَّماوَاتِ والأَرضِ کُلَّ یَوم هُوَ فِى شَأْن ) إشارة إلى مسألة الحرکة الجوهریة التی یمکن عن طریقها الوصول إلى وجود الله (عن طریق برهان الحرکة).

ولکن دلالة هذه الآیة على الدعوى المذکورة غیر واضحة أیضاً، بل إنّ ظاهرها هو أنّ الله یخلق کلّ یوم أمراً جدیداً، خلقه دائم ومستمر، وهو یبتکر فی کل زمان أمراً جدیداً، ویقدّر کلّ یوم نعمة جدیدة، وعمله هو الإستجابة لقضاء حوائج السائلین.

کما أنّ الظاهر من تعبیر الآیة وکذلک الروایات الواردة فی تفسیرها هو ما ذکر أیضاً (تحدّثنا عن هذا الموضوع مفصّلا فی التفسیر الأمثل)(4).

ویُستنتج من مجموع ما تقدّم أنّ أبرز الآیات الدالّة على برهان الحرکة هی آیات إبراهیم(علیه السلام) التی استدلّ بها على نفی اُلوهیة النجوم وذلک باُفولها وغروبها واحتیاجها إلى الخالق کذلک.


1. تفسیر الکبیر، ج 13، ص 52.
2. للمزید من التفاصیل یمکن مراجعة التفسیر الأمثل، ذیل الآیة 88 من سورة النمل.
3. لاحظ التفاصیل فی التفسیر الأمثل، ذیل الآیة 88، سورة النمل.
4. التفسیر الأمثل ذیل الآیة 29 من سورة الرحمن.

 

إبراهیم (علیه السلام) یواجه عبدة الأصنام بمنطق قوی:1 ـ برهان الحرکة ومقدّماته
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma