ذکرنا فی مستهلّ هذا الجزء وفی بحث «استخدام برهان الفطرة فی مسألة معرفة الله» أنّ هذا البرهان یمکن أن یکون نافعاً ومرشداً فی البحث عن صفات الله، بل وفی مسألة النبوّة والمعاد، ولهذا لنا عهد عملی مع هذا البرهان حیث نراجعه فی أغلب المباحث.
وفی بحث وحدانیة ذات الله وصفاته یمکن أن یکون هذا البرهان مفیداً، أی أنّنا وفی أعماق الروح والقلب لا نسمع نداء وجوده فحسب بل لا یوجد فی أعماق الروح نداء آخر.
فعندما تبلغ المشکلات والإبتلاءات ذروتها وحینما توصد أبواب عالم الأسباب أمامنا یقرع أسماعنا هدیر التوحید فی أعماق وجودنا ویدعونا إلى (المبدأ الواحد) ذی القدرة التی تفوق المشکلات وتتجاوز عالم الأسباب کلّه.
وهناک آیات قرآنیة عدیدة تشیر إلى هذا المضمون، وبما أنّنا ذکرنا بعض هذه الآیات بصورة مفصّلة فی بحث (إثبات وجود الله) فسنشیر إلیها هنا باختصار ونمعن خاشعین فی عدد من الآیات:
1 ـ ( فَإِذَا رَکِبُوا فِى الْفُلْکِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البِرِّ إِذَا هُمْ یُشْرِکُونَ). (العنکبوت / 65)
2 ـ ( وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُّنِیبِینَ إِلَیْهِ ثُمَّ إِذَا أَذاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمةً إِذا فَریقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ یُشْرِکُونَ). (الروم / 3)
3 ـ ( قُلْ أَرَأَیْتَکُم إِنْ اَتَاکُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ اَتَتْکُمُ السَّاعَةُ أَغَیْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ * بَلْ إِیَّاهُ تَدْعُونَ فَیَکْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَیهِ اِن شَاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِکُونَ).(الأنعام / 40 ـ 41)
4 ـ ( وَمَا بِکُمْ مِّنْ نِّعْمَة فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّکُمُ الضُرُّ فَإِلَیْهِ تَجْئَرُونَ * ثُمَّ إِذَا کَشَفَ الضُرَّ عَنْکُمْ اِذَا فَرِیقٌ مِّنْکُمْ بِرَبِّهِمْ یُشْرِکُونَ). (النحل / 53 ـ 54)
5 ـ ( قُلْ مَنْ یُنَجِّیکُمْ مِّنْ ظُلُماتِ البَرِّ والبَحرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وخُفْیَةً لَّئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَکُونَنَّ مِنَ الشَّاکِرِینَ * قُلِ اللهُ یُنَجِّیکُمْ مِّنْها وَمِنْ کُلِّ کَرْب ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِکُونَ).(الأنعام / 63 ـ 64)