ممّا لا شکّ فیه أنّ التقلید إذا تمثّل فی اتّباع وإقتباس عدیمی الاطلاع من العلماء فإنّه عامل على إیجاد حرکة تکاملیة فی المجتمعات البشریة وأساساً نجد أنّ العلوم والأفکار والآداب والعادات البنّاءة، کما أنّ الشؤون التربویة والإنسانیة قد انتقلت من جیل إلى جیل عبر هذا الطریق.
إنّ الأطفال یکتسبون جلّ معلوماتهم من المجتمع عن هذا الطریق تقریباً، کما أنّ الصناعات والحِرف والفنون تتوسّع وتتکامل بهذا الطریق أیضاً، ولولا روح التقلید الإیجابیة والبنّاءة لم تحدث هذه الحرکة التکاملیة أبداً.
إنّ تقلید «الجاهل للجاهل» أو «العالم للجاهل» یکون سبباً لشیوع الفساد والانحراف والاخلاق الفاسدة، والخرافات، والانحرافات الفکریة من قوم إلى قوم أو جیل إلى جیل، ومثل ذلک کمثل الماء الصافی والذی یمثل عصب الحیاة، فإذا ما تلوث بالأمراض والمیکروبات فسوف یصبح وسیلة لانتشار المیکروبات والأمراض والأوبئة.
وکثیراً ما ینشأ التقلید من الکسل والتعصّب، فالذین لا یتحمّلون جهود التحقیق لما فیهم من کسل یقبلون على التقلید، والمعاندون المتعصّبون الذین لا یهتمون للبحث عن نقاط القوّة لدى الأقوام الاُخرى والإذعان لها، یألفون نقاط الضعف الموجودة فی مجموعتهم، وقد کان هذا النمط من التقلید الأعمى والمتعصّب والرجعی هو العامل المهمّ لشیوع الشرک وعبادة الأصنام على مرّ التاریخ(1).
1. هناک بحوث حول أنواع التقلید وشرائط التقلید الإیجابی ودوافع التقلید الأعمى وشرحت کلمة (تقلید) فی الجزء الأوّل من هذا التفسیر فی موضوع (حجاب التقلید)، ج1، ص 273.
