إنّ طلب العافیة والحیاة المرفهة، مضافاً إلى کونه آفة خطیرة للفکر والعقل، فإنّه فی کثیر من الموارد لا یسمح للناس برؤیة الحق کما هو والباطل کما هو فی الواقع ویسدل على بصیرتهم ستاراً من التشویش یمنعهم من تشخیص الحقیقة، وفی موارد کثیرة یمثل عائقاً یمنع الإنسان من الإقدام والعمل، بمعنى أنّ الإنسان حتى لو استطاع تشخیص الاُمور والقضایا تشخیصاً سلیماً وصحیحاً، إلاّ أنّه لا یمتلک الجرأة الکافیة والشهامة القویة على الإقدام والعمل.
وما أکثر الأفراد الذین یجدون فی أنفسهم الجرأة على کتابة الحقیقة والاعلان عنها ما دامت معیشتهم وحیاتهم ومکانتهم الاجتماعیة محفوظة وسالمة ولا تتعرض شخصیاتهم أو ثرواتهم إلى الخطر، ولکن عندما یشعرون بوجود خطر معین فانّهم یلقون بمقولاتهم وکلماتهم عن الحقیقة فی مطاوی النسیان ویسکتون عن أداء أهم رسالة دینیة وإنسانیة لهم وهی: «وجوب التصدی للظلم وعدم السکوت عن أفعال الظالمین ومظاهر البدع والفساد والضلال والانحراف، فیرجحون الصمت على هذا الواقع المنحرف»(1)، وفی مقابل ذلک نرى شخصیات کبیرة فی طول تاریخ التشیع الدامی لا سیّما فی القرون المتأخرة وخاصة فی القرن الحاضر، یتحرکون بکل جرأة وشهامة وبما اُوتوا من قدرة بیان وقلم على مستوى إصلاح الخلل وفضح قوى الانحراف والضلال والتصدی فی مقابل الظلم والظالمین ویستقبلون کل خطر ونفی من الوطن وبعد عن أجواء الراحة والرفاه والدعة حتى یصل الأمر بهم ا لى حدّ الشهادة والقتل فی سبیل الله، کل ذلک من أجل الدفاع عن الدین الإسلامی والاُمة الإسلامیة، فهؤلاء یشعرون فی أنفسهم بالشوق إلى التضحیة بالغالی والنفیس وقبول کل أشکال الحرمان من أجل الهدف السامی.
هؤلاء حرس الثغور هم الذین ورد وصفهم فی الحدیث المعروف عن أئمّة أهل البیت(علیهم السلام): «علماء شیعتنا مرابطون بالثغر الذی یلی ابلیس وعفاریته، یمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شیعتنا»(2)، وهناک روایة اُخرى تذکر موت العالم من علماء الإسلام: «إذا مات العالم ثلم فی الإسلام ثلمة لا یسدها شیء»، وفی هذا الحدیث یقول أیضاً: «لأنّ المؤمنین الفقهاء حصون المسلمین کحصن سور المدینة لها»(3).
ونحن نشکر الله تعالى على أنّ استاذنا الجلیل قد حاز هذا التوفیق العظیم ونطق بالحقیقة فی خضم أجواء الاضطراب والثورة وأعلن عنها بصرخته أمام الظالمین، فعندما تجاسرت صحیفة اطلاعات فی تلک الأیّام وذکرت کلمات موهنة بحق «الإمام الراحل(قدس سره)» قام استاذنا المعظم بإلقاء خطبة قویة وصریحة استنکاراً لهذا الفعل الشنیع، وکانت نتیجة ذلک أن حکم علیه بالنفی لمدّة سبعة أشهر والابتعاد عن الحوزة العلمیة ومدینته.