ویتحرک الاستاذ فی تفسیره وتحلیله لهذا الوسواس العمیق والواسع على مستوى البحث عن علله وجذوره ویقول:
«أنا أعتقد أنّ بعض هذه الظاهرة تعود إلى خصوصیة معینة فی مرحلة البلوغ التی کنت أقترب منها، ومعلوم أنّ مرحلة البلوغ تمثّل مرحلة الاستقلال الفکری، والشخص فی هذه المرحلة یودّع التقلید والتبعیة للآخرین، ولذلک فلو افتقد التعلیم الکافی فمن الطبیعی أن یبتلى بالوسواس، والقسم الآخر من الوسواس یمثّل افرازات لحالة الجهل لعدم الاطلاع على المسائل الفقهیة فی دائرة الطهارة والنجاسة، والحلال والحرام وأمثال ذلک، فلو أنّ المکلّف تعلم هذه المسائل جیداً فسوف یتخلص من هذا النوع من الوسواس، وهناک قسم آخر من الوسواس یتفرع على حالة الفراغ والبطالة، فلو أنّ الإنسان وجد له عملاً فإنّه سیغفل عن ذلک الوسواس، ولم أکن وسواسیاً من القسم الثالث قطعاً لأننی کنت أشتغل أکثر من اللازم، ولکننی کنت أقترب من مرحلة البلوغ الفکری والنضج العاطفی، ووقفت فی مقابل عشرات أو مئات علامات الاستفهام التی دارت فی ذهنی من دون العثور على جواب مقنع، هذه الحالة استمرت بعد البلوغ إلى ما بعد سن العشرین وکانت تؤرقنی کثیراً، وکانت على شکل مجموعة من الأسئلة والإشکالات المعقدة من قبیل إشکالات «هیوم» المعروفة حول برهان النظم وإشکالات اُخرى کثیرة من قبل التیار المادی والفکر الوضعی والوهابی وغیر ذلک، فکانت تعصف بی وتضغط على روحی وفی ذلک المحیط الفکری لم یکن هناک من مجیب على هذه الأسئلة والمشکلات الفکریة، لقد کان استاذی رجلاً فاضلاً ولکنّه کان یدور فی دائرة علم الکلام التقلیدی ویجیب عن بعض المشکلات الفقهیة فحسب».
