ومن جملة الاُمور التی تساهم فی سلاسة البیان ورفع مستوى قدرة التصمیم هو کثرة التمرین والممارسة فی إفهام الناس من خلال کرسی التدریس أو منبر التبلیغ، فیجب أن یکون الدرس إلى جانب التدریس، والتدریس والتعلیم إلى جانب تحصیل الدرس واکتساب العلم، وطبعاً فإنّ من برکات التدریس هو حلّ العُقد البیانیة وتحصیل القدرة والملکة على تبیین المسألة إلى المخاطب بسهولة ویُسر، وهنا یتحدّث لنا الاستاذ عن حکایة فی مجال شروعه فی عملیة التدریس وکیفیة الاستمرار فیها ویقول:
«عندما ودعت النجف الأشرف وحرم الأئمّة الاطهار(علیهم السلام) بعین باکیة وترکت العراق بکل ما یحفل به من حسنات ومشاکل وأقمت فی الحوزة العلمیة فی قم کنت اُمارس عملیة التدریس إلى جانب الاستفادة من درس الاساتیذ العظام فی هذه الحوزة، وطبعاً لم یکن تدریس العلوم الدینیة أمراً جدیداً علیَّ حیث شرعت فی ذلک منذ السادسة عشرة من عمری حینما کنت فی حوزة شیراز، وعندما أتیت إلى قم شرعت بتشکیل درس فی الحوزة أیضاً، وکذلک فی النجف أیضاً کنت اُمارس التدریس، وأعتقد أنّ التدریس واجب کتحصیل الدرس، فالإنسان حین التدریس یقف على بعض الاُمور وتنفتح له بعض المسائل المغلقة التی لم یکن یقف علیها أثناء تلقی الدرس، وعند التدریس یشعر الإنسان بمسؤولیة أکثر وأنّه ما لم یفهم الموضوع بصورة جیدة ودقیقة لا ینبغی له طرحه على الآخرین من موقع التدریس.
لقد ازداد رونق أبحاثی ودروسی یوماً بعد آخر بسبب معرفتی التدریجیة وزیادة تجربتی فی فن التدریس الذی یعتبر فناً ظریفاً ودقیقاً جدّاً، فعندما کنت اُدرس الرسائل والمکاسب والکفایة کنت أرى مجموعة من الطلاب الأذکیاء والمستعدین یحیطوننی ویجلسون على مقربة منّی، وأنا بدوری اُوصی جمیع الطلاّب والفضلاء أن لا یهملوا عملیة التدریس إلى آخر عمرهم حتى لو کان ذلک لطالب واحد».
ثم یشیر الأستاذ إلى بدایة تدریسه لبحوث الخارج ویقول:
« لعل البدایة کانت قبل أربعین سنة حین فکرت بتدریس البحث الخارج وشرعت بتدریس الاصول ثم البحث الخارج فی الفقه وکنت أعیش العلاقة الشدیدة بالتدریس وأشعر بلذة کبیرة من تدریس الطلاّب وکان التعب یزول عنی تماماً وأنا الآن أشعر بهذا الشعور أیضاً...».
وفی الختام یشیر الاستاذ إلى دور التدریس المهم فی عملیة النهضة العلمیة للطلاّب ویؤکد مرّة ثانیة لطلاّب الحوزة العلمیة الأعزاء على هذه الحقیقة ویقول:
«مرّة اُخرى اُوصی الطلاّب الأعزاء أن یغتنموا هذه السنّة الشریفة فی الحوزة العلمیة، وعلى الأشخاص الذین یتلقّون الدروس العالیة أن یهتموا بتدریس الکتب فی المراحل الدانیة، ولیکن معلوماً لدیهم کما أنّ الطلاّب ینتفعون من بیانهم ووجودهم فانّهم بدورهم ینتفعون من وجود الطلاّب فی حلقات دروسهم، ولعل التدریس ینفع الاستاذ أکثر من الطالب، فالتدریس یجبر الإنسان على التحقیق فی جوانب المسألة أکثر ویهتم بمعرفة غوامض المسألة، ومضافاً إلى فهم المسألة ستکون لدیه القدرة على تفهیمها، وبکلمة واحدة: إنّ العالم الذی لا یمارس التدریس فإنّه یبتلى بالنقص فی معلوماته».
