وببیان آخر: أنّه حتى المتوسطین من الناس إذا تحرکوا بعزم وجدّیة فی خط الاستقامة والرسالة فإنّ قابلیاتهم الکامنة بالقوّة تصبح بالفعل وتتحرک فی مسیرها الواقعی، وبذلک یتمکنون من أن یخطوا خطوات واسعة على مستوى خدمة الدین والبشریة، فالکثیر من الناس یتمتعون بالمقدرة الخطابیة أو الأدبیة بالقوّة ولکنهم لم یبذلوا جهدهم فی سبیل تفعیل هذه المقدرة النفسیة ولم یمارسوا عملاً من أجل تقویة هذه الملکة فیهم ولذلک بقوا فی حالة متخلّفة فلا هم یستطیعون الخطابة ولا یتمکنون من کتابة مقالة أو تألیف کتاب.
ویحدّثنا الاستاذ فی هذا المجال ویقول:
«لا شک أنّ فنّ الکتابة والخطابة لم یمنح للبشر على السویّة، ولکن على أیّة حال فانّ کل شخص یمتلک مقداراً من هاتین الموهبتین ینبغی أن یمارس عملیة تفعیل هذه الملکة ویجسد هذه الموهبة على أرض الواقع العملی بأن یخطب أو یکتب ویدافع عن معتقده ورأیه، بالرغم من أنّ موهبة الخطابة أو الکتابة یجب أن نضعها فی دائرة الفنون الإنسانیة المهمّة بل هی أهم الفنون ولکن باعتقادی إنّ فنّ الکتابة أو الخطابة لیس مثل فنّ الشعر الذی یملک تذوقه بعض الناس ویفقده البعض الآخر، وعلى هذا الأساس یجب على جمیع الفضلاء وطلاّب العلوم الدینیة أن یتحرکوا فی هذا السبیل ویبذلوا قصارى جهودهم من خلال التمرین والممارسة والتتلمذ لدى استاذ لیتسلحوا بهذین السلاحین ویکونوا من الخطباء أو الکتّاب المتمیزین، وأنا بدوری لم یکن لدى موهبة الکتابة فی مرحلة الابتدائیة والثانویة، فعندما کنت أکتب موضوعاً إنشائیاً فی المدرسة لم یکن إنشائی أفضل من الآخرین لعدم وجود الأرضیة المناسبة لتفتح هذه القابلیة والملکة، ولکن تجربتی الشخصیة تحکی عن أنّ الإنسان إذا أراد تقویة وتفعیل هذه الملکة فی نفسه یجب علیه مطالعة آثار الکتّاب والاُدباء الجیدین، وهکذا فعلت فی هذا المجال وقرأت کتباً عدیدة مشهورة بقوّة الأدب وقد طبعت مرّات عدیدة وکانت مورد استقبال الناس فی مجالسهم وکلماتهم.
وهنا تجربة اُخرى أیضاً وهی أن یشتغل الطالب فی هذا المجال تحت نظر مرشد واستاذ فانّ ذلک من شأنه الاسراع فی عملیة ترشید المواهب الفنیة لدى الطالب، ولکننی مع الأسف کنت أفتقد الاستاذ فی الکتابة، واقتصرت على الطریق الأول وهو قراءة الکتب الجیدة للآخرین (وهذا أیضاً من قبیل الاستفادة من الاستاذ) ولکن الأشخاص الذین اشترکوا فی جلساتنا وتعلموا فن الکتابة بصورة منظمة کانوا أسرع من غیرهم فی اقتباس هذا الفن وتجسیده فی الخارج على شکل تألیف کتب جیدة».
