إنّ کثرة المشاغل وتنوّع الأعمال والنشاطات الیومیة تعتبر آفة لدوام الذکر واستمرار حضور القلب، فلو لم یتحرک الإنسان منذ السحر بشدّ أدوات العزم على السیر فی خط الإیمان والانفتاح على الله ولم یعقد جوانحه على الالتزام بخط العبودیة والمسؤولیة: «اشدُدْ على العزیمة جوانحى»(1) ولم یعمل على تبدیل جمیع أوقاته وأفعاله وسلوکیاته رغم کثرتها وتنوعها إلى «وِرد واحد» ولم یتجه فی حرکاته وسکناته إلى جهة واحدة «اسئلک... حتّى تکون أعمالی وأورادی کلّها ورداً واحداً»(2) فانّ المشاغل الیومیة للإنسان من شأنها اسدال ستار النسیان والغفلة على واقع الروح أمام بصیرة القلب فیحرم السالک بذلک من أجواء الحضور: «وحالی فی خدمتک سرمداً»(3) بل إنّ القلوب الطاهرة أیضاً تتأثر وتتلوث ویصیبها نوع من الظلمة والدرن بسبب الأعمال والمشاغل الیومیة بحیث إنّ صاحب أطهر قلب فی البشریة وهو الرسول الأکرم یقول: «إنّه لیُران على قلبی...»(4).
وبدیهی أنّ الإنسان السالک ینبغی علیه من أجل نجاة روحه من هذه الظلمة وشوائب المشاغل الدنیویة وتحصیل «الوحدة» و«الاستقامة» و«وحدة الورد، ودوام التوجه والحضور»، أن یتحرک على مستوى الوقایة من جهة والعلاج من جهة اُخرى، أمّا الوقایة فتکون باجتناب الحضور فی مجالس العاطلین والاشتراک معهم فی محافل اللهو والابتعاد عن الأفعال والأقوال المهملة واللغویة، بل یتحرک على مستوى ضبط حالاته وملکاته النفسیة، والسیر فی خط التوجه والإیمان دائماً والاهتمام بمحاسبة النفس على کل صغیرة وکبیرة والعمل على دوام الذکر والاستعاذة بالله من الاهواء والوساوس الشیطانیة، ویراقب حالته لئلا تجمح به مطیة الهوى فی منزلقات الخطیئة والانحراف وتسول له نفسه اتباع الظواهر البراقة بشکل خادع لینحرف فی مسیرته المعنویة الصاعدة.
وأمّا علاج هذه الحالة فأن یداوم المرء على الاستغفار کما ورد فی الحدیث الشریف عن رسول الله أنّه قال بعد الحدیث المذکور آنفاً: «وإنّیّ لأستغفر بالنّهار سبعین مرّة»(5) فیطلب السالک من الله تعالى: «مُدْرِکَ کلِّ فوت»(6) العفو والمغفرة سبعین مرّة وأکثر ویسعى لجبران وتدارک ما فاته من الأعمال الصالحة.
إنّ الأشخاص الذین عاشوا مع سماحة الاستاذ وأنسوا به ولاسیّما فی أسفاره، وإلتفتوا إلى التوجه الدائم لسماحة الاستاذ وحالة الحضور الدائم واهتمامه بالوقت وعدم اهماله للعمر وقضائه فی جلسات غیر مثمرة، وعدم تسامحه فی قضاء الوقت فی الاُمور العبثیة وغیر الهادفة.