إنّ الکثیر من الأشخاص ممن یمتلک قدرة البیان یعدّ من الخطباء الموفقین من الدرجة الاُولى ولکنهم لم یخلّفوا أثراً مهماً فی عالم التألیف والکتابة، أو أنّهم لم یستغلوا موهبة القلم والقدرة على الکتابة کما ینبغی، لأنّه لا ملازمة بین قدرة البیان وقدرة الکتابة والتألیف، ویقول أحد الخطباء الموفقین: «إذا أردت أن أکتب شیئاً فینبغی أن أذکره بلسانی أولاً ثم أکتبه على القرطاس».
وکذلک هناک کثیر من العلماء والفضلاء الذین لم یهتموا بشیء غیر الکتابة والتحقیق والتألیف ولکنّهم غیر قادرین على بیان مواضیع علمیة على مستوى الخطابة بل أحیاناً یمتنعون من إدارة جلسة دینیة أو الصعود على المنبر والاهتمام بمسألة الوعظ والإرشاد للشباب.
أما سماحة الاستاذ فإنّه یعدّ من القلائل فی تاریخ علماء الشیعة حیث جمع بین القلم والبیان ،التدریس والتبلیغ، التحقیق والتألیف، العلوم الجدیدة والقدیمة، وبکلمة: إنّه جمع بین الاضداد تقریباً، من حیث إنّ التضلع والتمرس فی البحوث الحوزویة والتعمق فی المسائل الفنیة والصناعیة یمنع الإنسان من الاطلاع على مقتضیات العصر وما تعیشه البشریة من آفاق حضاریة وتطورات فی العلوم التجریبیة، والجمع بین هذه الابعاد المتضادّة ظاهراً یحتاج إلى نبوغ خارق، حافظة قویة، استقامة ومواصلة فی العمل، وقابلیة ذاتیة، والأهم من الجمیع یحتاج إلى توفیق غیبی وإلهی کما رأینا فی الفصول السابقة، فنرى أنّ سماحة الاستاذ بحمد الله یتمتع بهذه الحصوصیات الفنیة والسمات الروحیة.
وما ینبغی ذکره فی هذا المجال هو أن الإشارة إلى مظهرین من مظاهر ومعالم حالة الشمولیة والجامعیة بین القلم والبیان لدى الاستاذ، حیث یقول الاستاذ نفسه فی هذا الصدد:
«أنا أعتقد دائماً أنّ رجل الدین یجب علیه أن یتسلح بسیفین: سیف البیان وسیف القلم، والعالم الفاقد لهذین السلاحین، حتى لو کان جبلاً من العلم، فإنّه سیأخذ علمه ومعرفته معه إلى القبر، ولکن لو کان مجهزاً بهذین السلاحین أو بأحدهما على الأقل فإنّه بامکانه أن یخلّف آثاراً محمودة بین الناس».
