ومن عجائب وقاع ذلک الزمان ما تحدث به سماحة الاستاذ حیث قال:
«فی أحد الأیّام سألنی استاذی عن العبارة المعروفة فی کتاب
«الصمدیة» (والمبرد إن کان کالخلیل فکالخلیل وإلاّ فکیونس وإلاّ فکالبدل»، وأوصانی بحلّ هذا الإشکال، ولم أکن قرأت کتاب الصمدیة من بین کتاب جامع المقدمات إلى ذلک الوقت فی حین أنّ هذا الکتاب یعتبر من أصعب کتب جامع المقدمات، فعزمت على حلّ الإشکال بمطالعة الصمدیة وانتهیت من مطالعته فی أقل من یومین (36 ساعة) واستطعت أن اُجیب عن سؤال الاستاذ وشرحت له عن قراءتی للکتاب، فتعجّب کثیراً وشوقنی».
إنّ هذا التوهّج وصل إلى الذروة عندما نرى شاباً فی السابعة عشرة أو التاسعة عشرة من العمر یشترک فی درس شیخ الفقهاء واستاذ الاساتذة المرحوم آیة الله العظمى السید البروجردی(قدس سره)(1).
وعندما بلغ من العمر الثامنة عشرة توجه إلى مدینة إصفهان لإدامة تحصیله العلمی، وهناک مضافاً إلى استمراره بتلقی دروس الفقه والاصول والفلسفة والریاضیات قام بتشکیل حوزة تدریسیة بنفسه، ثم إنّه توجه فی سنة 1319 هـ ق إلى النجف الأشرف وحضر فی درس الاُصول للعالم الکبیر الآخوند الخراسانی(رحمه الله)حیث لفت نظر إستاذه الکبیر إلیه.
وبعد أن بقی السید البروجردی مدّة تسع سنوات فی النجف الأشرف عاد إلى ایران وبقی فی مدینة بروجرد مدّة ست وثلاثین سنة مشتغلاً بالنشاطات العلمیة والثقافیة فیها.
ثم إنّ السید البروجردی مرض عام 1323 هـ ش وتوجه إلى طهران لطلب العلاج وبعد أن تحسنت حاله قام ـ بدعوة من أکابر علماء الفضلاء والحوزة العلمیة فی قم ـ بالتوجه إلى هذه المدینة وبتدریس الفقه والاصول فی حوزتها العلمیة حیث تزعم منصب المرجع الأعلى للشیعة فی ذلک الوقت وتخرج على یدیه الکثیر من الطلاّب والمجتهدین واستطاع أن یقدّم خدمات دینیة وثقافیة کثیرة للشیعة، ومن الخصوصیات المعنویة البارزة للسید البروجردی: الإخلاص والتوکل على الله تعالى، حیث ینقل الشهید المطهری هذه الواقعة التی تتحدث بوضوح عن هذه الخصوصیة فی سماحته:
«کان سماحته یتوجه فی فصل الصیف (وکان حدیث العهد بالإقامة فی مدینة قم) إلى زیارة مدینة مشهد، وینقل أحد مراجع التقلید المعاصرین عنه أنّه أبدى عزمه فی جلسة خاصة على التوجه إلى مشهد، ونحن بدرونا قمنا بتشکیل جلسة فی غیابه للمشاورة فی ذلک ولم نر الصلاح فی ذهابه إلى مشهد وکنّا نتصور أنّه وبسبب کونه جدید العهد بمدینة قم أنّ الناس فی ایران وطهران ومشهد لا یعرفون سماحته بصورة جیدة وبالتالی ربّما لا یکون هناک استقبال جید ولائق له فی مشهد، ومن هنا قررنا أن نصرفه عن السفر إلى مشهد بذریعة أنّه قد أجرى حدیثاً عملیة جراحیة جدیدة وأعذار اُخرى.
فی جلسة اُخرى کرر سماحته رغبته فی السفر إلى مشهد، ونحن بدورنا ذکرنا له ذرائع مختلفة لنصرفه عن هذا السفر، ولکن أحد حضّار المجلس أظهر ما کنّا نخفیه فی نفوسنا وفهم السید البروجردی مقصود نا الأصلی من مخالفتنا لهذا السفر، وفجأة تغیرت سحنته وخاطبنا بلحن جدّی ومؤثر:
«لقد منحنی الله تعالى من العمر سبعین سنة، وقد تفضّل علیَّ طیلة هذه المدّة بفضائل ونِعم کثیرة لم یکن لی أی تدبیر فیها، وقد سعیت طیلة هذه المدّة أن أفهم وظیفتی الشرعیة وأعمل بها، والآن وقد بلغت سبعین سنة لا أجد مناسباً أن اُفکر فی نفسی وفی شؤونی الخاصة». (الامدادات الغیبیة فی حیاة البشر; ص 76، بتصرف قلیل).