نستنتج من هذه الرّوایات الشّریفة التی أوردناها، و الاُخرى التی أَعْرضنا عنها لِلإختصار، أنّ علاقة العبادة بصفاء الرّوح، و تهذیب النّفوس، و تفعیل القیم الأخلاقیّة فی واقع الإنسان، علاقةٌ طردیّةٌ، و کلّما تحرّک الإنسان فی عبادته، من موقع الإخلاص لله تعالى، کان أثرها فی نفسه أقوى وأشدّ.
و هذا الأمر محسوس جدّاً، فالمخلص الذی یؤدی عبادته بحضور قلب، فإنّه یحسُ بالنّور والصفاء فی قلبه، و المیل إلى الخیر و النّزوع عن الشّر، ویجد فی روحه العبودیّة والخشوع والخضوع الحقیقی، بإتجاه خالقه وبارئه.
و هذا الأخیر فی الحقیقة هو العامل المشترک بین جمیع العبادات، و إن کان لکلّ منها تأثیر خاص على النفس، فالصّلاة تنهى عن الفَحشاء و المنکر، و الصّیام یقوّی الإرادة و ینشط العقل، لِیْسیطر على جمیع نوازع النّفس، والحج یمنح الإنسان بُعداً معنویاً، یجعله بعیداً عن زخارف الدّنیا و زبرجها، و الزّکاة تقمع البخل فی واقع النّفس، و تقضی على أشکال الطّمع والحرص على الدنیا.
و ذِکر الله یَهدىء الرّوح، و یمنحها الطّمأنینة والرّاحة، و کلّ ذکر من الأذکار، تتجلّى فیه صفةٌ من صفاتِ جَلاله و جَماله سبحانه و تعالى، التی تتولّى ترغیب الإنسان فی السّلوک إلى الله، و الإنسجام مع خطّ الرّسالة.
و علیه فإنّ الشّخص الذی یؤدّی العبادة على أتمّ وجه، سینتفع من فوائدها فی دائرة المعطیات العامة، وکذلک تمنحه العبادات آثارها الإیجابیّة الخاصّة، بما یحقّق له بلورة فضائله الأخلاقیّة، و ملکاته النفسانیّة فی واقع وجوده، فالعِبادة تشکّل الخطوة والحجر الأساس، لبناء النّفس، فی خطّ التّقوى و الإیمان، و الإنفتاح على الله، شَریطة الاُنس بمثل هذه المعانی الروحیّة، و التّعرف على فلسفة العبادة، فلا ینبغی أن نقنع بالمحافظة على قوى الجسم وحده، و لأهمیّة مَبحث الذّکر خصّصنا له بَحثاً مُستقلاًّ عن باقی البحوث.
—–