وهو المرحوم «الحاج میرزا جواد الآقا تبریزی»، وهو من الاساتذة المعروفین فی السّیر و السّلوک إلى الله، و قد إنتهج فی رسالته (لقاء الله)، نهجاً یختلف عمّا جاء به فی الرّسالة المنسوبة للعلاّمّة بحر العلوم.
فهو یُذکر فی البدایة، أنّ لقاء الله هو الغایة القصوى، و الهدف الأعلى، للسّیر و السّلوک، و یستشهد لذلک بآیات متعدّدة من القرآن الکریم، وکذلک بالروایات الکثیرة لُمدّعاه، و یصرّح بأنّ لقاء الله تعالى لیس هو المشاهدة العینیة، لأنّ الباری تعالى منزّه عن الکیفیات التی توجب رؤیته بالبصر، و لا هو لقاء النّعیم و الثّواب فی یوم القیامة، بل هو نوع من «الشّهود»، واللّقاء القلبی والروحی والمشاهدة بالبصیرة.
وبعدها یقترح برنامجاً للسّیر فی هذا الطریق الطویل، و المحفوف بالمخاطر، و یتلخص فی عدّة اُمور:
1 ـ العزم والنیّة لسلوک هذا الطریق.
2 ـ التّوبة النّصوح من الأعمال السّالفة، و هی التّوبة التی تنفذ فی أعماق الوجدان و الوعی، فی واقع النفس، و تعمل على تغییره، و غسل آثار الذّنوب وأدران الخطایا من جسمه وورحه.
3 ـ حمل الزّاد للطریق، و ذکرَ له عدّة برامج:
الف: صباحاً، المشارطة: (یشرط على نفسه أن لا یمضی إلاّ فی طریق الحق)، وفی النّهار المراقبة: (الإنتباه لئلاّ یحید عن الطریق)، ومساءاً المحاسبة: (لنفسه على ما فعله فی النّهار).
ب ـ التّوجه للأوراد و الأذکار، و وظائف الیقظة والمنام.
ج ـ التّوجه لصلاة اللّیل، و الخَلوة بالله تعالى، و إحیاء اللیل وترویض النفس فی حالات النوم والأکل، بحیث لا یتجاوز عن الحدّ الضروری.
4 ـ الإستفادة من سوط السّلوک، و هو عبارة عن مُؤاخذة النّفس و توبیخها، لتوجُّهِها للدنیا و تقصیرها فی طلب الحق، و عدم وفائها، و إطاعة الشّیطان فی معصیة الله تعالى، ویستغفر الله على کلّ ذلک ویعزم على السّعی فی طریق الإخلاص والإیمان و الصلاح.
5 ـ عند التّحول، وفی هذه المرحلة، و قبل کلّ شیء، یجب أن یفکّر فی الموت، لیمیت حبّ الدنیا فی قلبه و یصلح الصّفات القبیحة عنده، و هو دواءٌ نافعٌ فی هذا المجال، (وبعدها یفکر فی عظمة الله وأسماءه و صفاته، ویذکر أولیاء الحق، ولیسعى بأن یُشابِههم فی صفاتهم).
6 ـ عند القرب من منزل المقصود، یشیر إلى أنّ الإنسان لدیه ثلاثة عوالم:
1 ـ عالم الحسّ والطّبیعة.
2 ـ عالم الخیال والمثال.
3 ـ عالم العقل والحقیقة.
فعالم الحسّ و الطّبیعة کلّه ظلمات، وإذا لم یعبره فلن یستطیع الوصول لعالم المثال، و هو العالم الذی تکون فیه الحقائق لها صورٌ عاریةٌ عن المادّة.
وما دام یراوح فی عالم المثال، فلن یستطیع الوصول إلى عالم العقل، الذی هو عالم الحقیقة والأصل للنفس الإنسانیة، الذی لا صورة ولا مادة فیه، فإذا وصل لعالم العقل، و أدرک نفسه خالیةٌ عن المادة و الصّورة، فسیصل إلى معرفة الباری تعالى، و یکون مصداق لقوله: «مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَد عَرَفَ رَبَّهُ».
—–
1. بحار الأنوار، ج2، ص32.
2. للتفصیل یرجى الرجوع إلى رسالة لقاء الله المرحوم التبریزی(قدس سره).
