المسألة الاُخرى الّتی یتوجب ذکرها هُنا هی: هل أنّ المسائل الأخلاقیّة تتشکل من خلال علاقة النّاس بالآخرین، بحیث أنّ الإنسان إذا ما عاش وحیداً فریداً لا یکون لدیه مفهوم حول الأخلاق، أو أنّ بعض المفاهیم الأخلاقیّة لها موارد فی سلوک الإنسان حتى لو عاش لِوَحده، بالرّغم من أنّ أعظم المسائل الأخلاقیّة، تتجلى أکثر فی عملیّة علاقة الأشخاص مع بعضهم البعض، ولهذا یمکن تقسیم الأخلاق إلى قسمین: فردیّة و إجتماعیّة؟.
للجواب عن هذا السّؤال، یجب أن نلفت أنظارکم، إلى البحث الذی جاء فی کتاب «زندگى در پرتو أخلاق»، «الحیاة على ضوء الاخلاق» و سنورده بالکامل هنا:
(یعتقد البعض أنّ کلّ الاُسس الأخلاقیة، تعود إلى العلاقات الإجتماعیة مع الآخرین، فلو إنعدم المجتمع وعاش الإنسان وحیداً فریداً، أو أنّ کلّ إنسان عاش مستقلاّ عن الآخر، لا یعرف عنه شیء، فلن یکون هناک مفهوم للأخلاق أصلا!، لأنّ الحسد و التّواضع والکِبَر، و حُسن الظّن، والعدالة والجَور والعفّة والکَرم، کلّها من المسائل الّتی لا یتجلى مفهومها إلاّ بوجود المجتمع خاصّة، وتعامل النّاس مع بعضهم البعض، وبناءاً على هذا، فإنّ الإنسان بدون المجتمع، یساوی الإنسان من دون أخلاق).
(ولکن بعقیدتنا، وعلى الرّغم من الإعتراف، بأنّ کثیراً من الفضائل والرّذائل الأخلاقیّة، لها علاقة مباشرة بالحیاة الإجتماعیة، ولکنّها لیست بصورة مطلقة، فکثیرٌ من الأخلاق لها جوانب فردیة، و تصدق على الإنسان الوحید بصورة خاصة، فمثلا الصّبر والجزع، والشّجاعة والخوف، والمشاجرة والکسل، وأمثال ذلک من الحالات والصّفات النّفسیة التی تفرضها حالات الصّراع مع الطّبیعة، وکذلک الغفلة والشّعور تّجاه الخالق الکریم، و الشّکر والکفران لنعمه التی لا تُحصى، وما شابه تلک الاُمور، الّتی بحثها علماء الأخلاق فی کتبهم، وعدّوها من الفضائل أو الرّذائل، فکلّ تلک الاُمور یمکن أن تدخل فی الإطار الفردی للسّلوک، وتصدق على الإنسان المعزول عن المجتمع ومن هنا یتبیّن أنّ الأخلاق على قسمین: «أخلاقٌ فردیّةٌ» و«أخلاقٌ إجتماعیّةٌ». و من المعلوم أنّ الأخلاق الإجتماعیّة، التی لها الثّقل الأکبر فی علم الأخلاق، وصیاغة شخصیّة الإنسان: تدور حول هذا المحور، وإن کنّا لا ننسى أیضاً أنّ الأخلاق الفردیّة لها وزنها، و وضعها الخاص بها).
ولا شکَّ أنّ هذا التّقسیم، لا یقلّل من قیمة المسائل الأخلاقیّة، ولکنّه یُقسّم المباحث الأخلاقیّة إلى درجات من حیث الأهمیّة، ولا داعی لإتلاف الوقت فی معرفة وتمییز الأخلاق، هل أنّها فردیة أم إجتماعیة، وما أشرنا إلیه آنفاً، یکفی للإحاطة بمعرفة إجمالیّة حول هذا الموضوع.
ولا یمکن اِنکار أنّ الأخلاق الفردیة، لها تأثیرها غیر المباشر فی القضایا الإجتماعیة أیضاً.
—–
1. زندگى در پرتو أخلاق، ص29 - 31.
