قد یتعجّب البعض الذین یعیشون السّذاجة الفکریّة، عند نظرهم و للوهلة الاُولى، للروایات التی تتعرض لمسألة الرّیاء، و نتائج المرعبة، و یتصورون أنّ عمل الإنسان إذا کان سلیماً ومنتجاً فی واقعه الخارجی، فأیّاً کانت النیّة و الدّافع، فلن یؤثر ذلک فی تغییر العمل، فالذی یبنی مُستَشفاً! أو مسجداً أو یعبّد الطّرق و الجسور.. و غیرها من الاُمور التی تصبّ فی الصّالح العام للناس، فعمله صحیحٌ و حسنٌ مهما کانت نیّته، فلْندَع النّاس یفعلوا الخیر، وما لنا والنیّة!!
ولکن الخطأ الفادح یکمن هنا لأنّه: أولاً: إنّ کلّ عمل و فعل یترتب علیه نوعان من ردود الفعل، أحدهما ما ینعکس أثره فی نفس الإنسان، والآخر ما یترتب على الفعل فی الخارج، فالمُرائی یحطّم نفسه من الدّاخل و یُبعدها عن التّوحید و الدّین الحنیف، و یوقعها فی وادی الشّرک، و یعتبر عزّته و إحترامه رهنٌ بیدَ النّاس، و ینسى قُدَرة الباری تعالى فی دائرة التّصرف فی عالم الوجود، و بهذا یکون الرّیاء نوعاً من الشّرک بالله تعالى، و یُفضی إلى نتائج وخیمة على مستوى الأخلاق و القِیَم الإنسانیة.
و ثانیاً: بالنّسبة للعمل الخارجی، الذی یقصد به الرّیاء و السّمعة، فالمجتمع هو الخاسر الأوّل فی هذا المضمار، لأنّ المرائی یسعى لتحسین عمله، على مستوى الظّاهر فحسب دون الإهتمام بالباطن، ممّا یُفضی إلى تحویل العمل، إلى إنحراف و إفساد على المستوى الإجتماعی.
و بعبارة اُخرى: إنّ المجتمع الذی یتّخذ من الرّیاءِ مرکباً، فی ممارسات الأفراد، سیکون کلّ شیء فیه بلا مُحتوى، کـ: (الثقافة، الإقتصاد، السیاسة، الصحة والنظام والقوى الدفاعیة) و کلّها ستهتم بالظّاهر فقط، ولا یکون الهدف منها نیل السّعادة الحقیقیّة للأفراد، بل سیرکضون وراء کلّ شیء برّاق و جمیلِ الظاهر، و أمّا باطنه، فالله العالم.
و هذا النّوع من الإتجاه، یورد صدمات و ضربات و مضرّات فی حرکة الواقع الإجتماعی، لا تخفى على ذهن الفطن الکیّس.
—–