یقولون: إنّ أحسن وأفضل دلیل لإمکان الشیء، هو وقوعه، و فی موضوع بحثنا، فإنّ رؤیة نماذج عینیّة من مُعاشرة بعض الأفراد للأراذل، و کیف أنّها أصبحت مصدراً لأنواع المفاسد و الإنحرافات الخُلقیّة لهم، و بالعکس، فإنّ مُصاحبة الأخیار، ساهمت لدى البعض، على تطهیر أنفسهم، من شوائب الرّذیلة و الزّیغ، و هذه الموارد هی خیر دلیل على بحثنا هذا.

فالتشبیه القدیم القائل: إنّ الأخلاق القبیحة، مثل الأمراض السّارِیَة، تنتشر بین الأصدقاء و الأقارب بسرعة فائقة، هو تشبیهٌ صحیحٌ، خصوصاً فی الموارد التی یکون فیها الشخص، حَدث السّن أو ضعیف الإعتقاد و الإیمان، و تکون نفسه مستعدّةً لقبول أخلاق الآخرین، فالمُعاشرة لمثل هؤلاء الأفراد، مع أصدقاء السّوء، تکون بمثابة سهم مُهلک و قاتل فی دائرةِ الإیمان، و عناصر الخَیر فی الشّخصیة، و قد شاهدنا الکثیر من الأفراد والأشخاص من الطیّبین، الذین تغیّروا بالکامل بسبب معاشرتهم لرفقاء السوء، و تحوّل مجرى حیاتهم من أجواء الخیر إلى أجواء الشّر، و هُناک إثباتاتٌ و أدلّةٌ مختلفةٌ من تقریر هذه الحالةٌ فی واقع الإنسان من النّاحیة النّفسیة و الرّوحیة:

1 ـ من جملة الاُمور الّتی توصل إلیها علماء النّفس، هو وجود روح الُمحاکاة فی الإنسان، یعنی أنّ الأفراد ینطلقون فی حرکة الحیاة، من موقع الشّعور أو اللاّشعور، بمُحاکاة أصدقائهم وأقاربهم، فالأشخاص الّذین یعیشون حالة الفرح و السرور، ینشدون الفرحة و الحُبور من حوالیهم، والعکس صحیح.

فالأفراد المُتشائمین، الذین یعیشون الیأس و سوء الظن، یؤثرون على أصحابهم، و یجعلونهم یعیشون حالة سوءِ الظّن، و هذا الأمر یبین لنا السّبب فی تأثیر الأصدقاء بعضهم بالبعض الآخر بسرعة.

2 ـ مَشاهدة القبائح و تکرارها، یُقلّل من قبحها فی نظر المشاهد، و بالتدریج تصبح أمراً عادیّاً، ونحن نعلم أنّ إحدى العوامل المؤثّرة فی ترک الذنوب و القبائح، هو الإحساس بقبحها فی الواقع النّفسی للإنسان.

3 ـ تأثیر التّلقین فی الإنسان غیر قابل للإنکار، و أصدقاء السّوء یؤثرون دائماً على رفقائهم فی دائرة الفکر و السّلوک من خلال عملیّة التلقین والایحاء، فیقلبون عناصر الشرّ فی إعتقادهم إلى عناصر الخیر، ویغیّرون حسّ التّشخیص لدیهم لعناصر الخیر و الشرّ فی منظومة القیم، فتختلط علیهم الاُمور، فی خطّ المستقبل و کیفیّة التعامل مع الغیر.

4 ـ المُعاشرة لرفاق السّوء، یشدّد سوء الظن فی الإنسان مع الجمیع، وتفضی به هذه الحالة النّفسیة السلبیّة إلى السّقوط فی وادی الذّنوب والفساد الأخلاقی، فنقرأ فی حدیث عن أمیر المؤمنین(علیه السلام): «مُجالَسَةُ الأَشرارِ تُورِثُ سُوءَ الظَّنِّ بالأَخیارِ»(1).

وجاء فی حدیث آخر عن الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله)، أنّ معاشرة رفاق السّوء تمیت القلب، فقال:

«أَربَعٌ یُمِتنَ القَلبَ... وَمُجالَسَةُ المَوتى; فَقِیلَ لَهُ یا رَسُولَ اللهِ وَمَا المَوتى؟، قَالَ(صلى الله علیه وآله): کُلُّ غَنِیٍّ مُسْرِف»(2).

وهذا الموضوع، یعنی سریان الحُسن و القُبح الأخلاقی بین الأصدقاء، فی أجواء المُعاشرة إلى درجة من الوضوح، ممّا حدى بالشّعراء إلى نظم الشعر فی هذا المضمار، من قبیل قولهم:

عن المرء لا تسلْ وسلْ عن قرینه *** فکلّ قرین بالمقارن یقتدی

1. صفات الشیعة، الصدوق نقلاً عن بحارالأنوار، ج71، ص197.
2. الخصال، (طبقاً لنقل بحار الأنوار، ج71، ص195).