ربّما سیتعجب البعض من هذا العنوان، و ما هی علاقة الأخلاق والروحیّات والملکات النّفسیة بالغذاء، فالأولى للرّوح و الثّانیة للجسم، ولکن بالنّظر للعلاقة الوثیقة، بین الجسم والروح فی حرکة الحیاة و الواقع، فلن یبقى مجالاً للتعجب، فکثیراً ما تسبّب الأزمات الرّوحیة فی الإصابة بأمراض جسدیّة، تضعف جسم الإنسان و تشل عناصر القوّة فیه، فیبیض الشّعر، و تظلم العین، وتخور القوى عند الإنسان والعکس صحیح أیضاً، فإنّ الفرح و حالات الرّاحة التی یمرّ بها الإنسان، تنمی جسمه و تقوّی فکره، و قدیماً توجّه العلماء لتأثیر الغذاء على روحیّة الإنسان وسلوکه المعنوی، و تغلغَلت هذه المسألة فی ثقافات الناس، على مستوى الموروث الفکری والوعی الاجتماعی، فمثلاً شِرب الدّم یبعث على قساوة القلب، والعقیدة السّائدة هی أنّ العقل السّلیم فی الجسم السّلیم.
ولدینا آیاتٌ و روایات تشیر إلى هذا المعنى، و منها الآیة (41) من سورة المائدة، فقد أشارت إلى فئة من الیهود الذین مارسوا أنواعاً کثیرةً من الجرائم بحقّ الإسلام و المسلمین من قبیل التّجسس و تحریف الحقائق الواردة فی الکتب السّماویّة، فقال الباری تعالى: (أُوْلَئِکَ الَّذِینَ لَمْ یُرِدْ اللهُ أَنْ یُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ).
و یعقّب مباشرةً قائلاً: (سَمَّاعُونَ لِلْکَذِبِ أَکَّالُونَ لِلسُّحْتِ ).
و هذا التعبیر یبیّن أنّ عدم طهارة قلوبهم، إنّما کان نتیجة لأعمالهم، الّتی منها تکذیب الرّسول والآیات الإلهیّة، وأکلهم للحرام بصورة دائمة، ومن البعید فی خطّ البّلاغة و الفصاحة، أن یأتی بأوصاف لا علاقة لها بجملة: (لَمْ یُرِدْ اللهُ أَنْ یُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ).
و منها یعلم أنّ أکل السّحت یسوّد القلب و یُمیته، و یکون سبباً لنفوذ عناصر الرّذیلة، و الزیغ، و الإبتعاد عن الخیر والفضائل.
وفی الآیة (91) من سورة المائدة، ورد الحدیث عن شرب الخمر ولعب القمار، فقال عزّ من قائل: (إِنَّمَا یُرِیدُ الشَّیْطَانُ أَنْ یُوقِعَ بَیْنَکُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِی الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ ).
و لا شک فإنّ العداوة و البغضاء، هی من الحالات الباطنیّة، التی ترتبط برابطة وثیقة مع شرب الخمر ولعب القمار، کما ورد فی الآیة الشریفة، وهو دلیل على أنّ أکل السّحت و الشّراب الحرام یساعد على بروز الرذائل الأخلاقیة، و تکریس حالات العداء والخصومة بین الأفراد، فی خط الشیطان.
ونقرأ فی الآیة (51) من سورة المؤمنون، قوله تعالى: (یَا أَیُّهَا الرُّسُلُ کُلُوا مِنْ الطَّیِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً ).
ویعتقد بعض المفسّرین أنّ تقارن ذکر هذین الأمرین: وهما «أکل الطّیبات و العمل الصالح»، هو خیر دلیل على وثاقة العلاقة بینهما، و هی إشارةٌ إلى أنّ إختلاف و تنوّع الأکلات و الأطعمة، له معطیات أخلاقیة مختلفة و متنوّعة أیضاً، فأکل الطیّبات، یطیّب الرّوح و یصلح العمل، وبالعکس فإنّ الأکل الحرام یُظلم الرّوح، و یخبّث العمل(1).
و قد إستدلّ فی تفسیر «روح البیان»، وبعد إشارته لعلاقة العمل الصّالح بأکل الطیّبات، بالأشعار التالیة:
و أشار فی تفسیر: «الإثنی عشری»، فی ذیل هذه الآیة، إلى علاقة نورانیّة القلب و صفائه، و الأعمال الصّالحة بأکل الحلال(2).
—–