4 ـ الدّعامة الإلهیّة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأخلاق فی القرآن 1
3 ـ دعامة الشخصیّةملاحظة

من المعلوم أنّ ما ذکر من الدّعامات والأسس، لا یخلو من واقعیّة على مستوى دفع الإنسان نحو الفضائل الأخلاقیّة، ولکن وکما أشرنا إلیه سابقاً أنّها لا تخلو ولا تسلم من الخطأ والإنحراف، مثل دعامة الإنتفاع والإستغلال التی تأخذ طریقها فی أىّ وقت وزمان، فتارةً تسیر مع الأخلاق واُخرى تُعارضها.

والبعض الآخر من الدّعامات له قدرةٌ محدودةٌ فی تحریک الإنسان، و مشوبةٌ بالنّقص والقصور ولربّما أخطأت واشتبهت.

و الدّافع الوحید الخالی عن الخطأ و الإشتباه، والعاری من کلّ نقص فی دائرة المسائل الأخلاقیّة، هو الدّافع الإلهی الذی یکون مصدره الله تعالى، و الوحی، فی إطار التّعالیم الدینیّة.

وهنا لا تعتبر الفضائل الأخلاقیّة وسیلةً للإنتفاع و الإستغلال، و لا هی وسیلةٌ للرفاه الإجتماعی، (وإن کانت الأخلاق قطعاً، وسیلةً للرّفاه والعمران والهدوء، وتؤمّن المنافع المادیّة أیضاً).

فالأصالة هنا للدوافع الروحیّة و المعنویّة، أو بعبارة اُخرى، أنّ الذّات الإلهیّة المنزّهة، و الّتی هی الکمال المطلق، و مُطلق الکمال، وجمیع صفاته الجمالیّة و الجلالیّة، تکون هی المحور الأصلی للمسألة، و کلّ إنسان یسعى فی المُضی قُدماً، للوصول إلى الکمال المطلق، و یتحرّک فی حیاته المعنویة، من موقع تفعیل نور أسماء الصّفات الإلهیّة فی نفسه، لیشبهه ویتقرب إلیه أکثر و أکثر یوماً، بعد یوم (وإن کانت ذاته المقدّسة منزهّةً عن الشبیه الحقیقی)، ویصل إلى الکمال المطلق، فلا حدّ للکمال هناک، و بذلک یعیش بکلّ وجوده، حالة الإستغراق من الحبّ لله تعالى، و الکمال المطلق، و تُنیر وجوده و باطنه، أنوارُ و صفاتُ الذّات المقدّسة، بحیث یطلب الکمال والرّقی، فی الدّرجات العلیا فی کلّ لحظة، فلا یتقیّد بالمنافع المادیّة، ولا یطلب الأخلاق للشخصیّة والإحترام، ولا یکون هدفه الضّمیر وحده، بل لدیه هدفٌ أسمى وأعلى من کلّ تلک الاُمور.

فلا یأخذ معلوماته من العقل والوجدان فقط، بل یستعین بالوَحی أیضاً، لیمیّز فی ظلّه القیم الحقیقیّة من الکاذبة، و لیمشی بخطى ثابتة مع إیمان و یقین کاملین فی هذا الطریق، والقرآن الکریم، هو خیر دلیل فی هذا المضمار، و یُصرّح القرآن الکریم، بأنّ الأعمال الأخلاقیّة هی ولیدة الإیمان بالله والیوم الآخر، ودائماً ما یردف: (العمل الصالح) بالإیمان، وعرّف العمل الصالح، بالّثمرة لشجرة الإیمان.

و مثّل الإیمان، بالشّجرة الطیّبة، و جذورها ثابتة فی روح و أعماق الإنسان، و فروعها و أوراقها وارفة، تؤتی بثمارها کلّ حین، و أشار إشارة جمیلةً فقال الله تعالى:

(ألَم تَرَ کَیفَ ضَرَبَ اللهُ مَثلا کَلِمَةً طَیِّبَةً کَشَجَرَة طَیِّبَة أصَلُها ثَابِتٌ وَفَرعُها فِی السَّماءِ تُؤتِی اُکُلَها کُلَّ حِین بِإذنِ رَبِّها )(1).

ومن البدیهی، أنّ الشجرة التی تمدّ جذورها فی أعماق القلوب، و تتفرع أغصانها من جمیع أعضاء الإنسان، و ترتفع فی سماء حیاته، هی شجرةٌ وارفةٌ لا یؤثّر فیها جفاف الخریف، و لا تقلعها العواصف أبداً.(2)

وجاء أیضاً فی سورة «والعصر»، نفس هذا المعنى ولکن بتعبیر آخر، فالقاعدةولکن

الکلّیة هو الخسران و التّضییع للإنسان، والمستثنون من ذلک هم المؤمنون، فی أوّل الأمر، ثم الّذین یعملون الصّالحات ویتواصون بالحقّ و الصّبر:

(وَالعَصرِ إنّ الإنسانَ لَفِی خُسر إلاّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوا بِالحَقِّ وَتَواصَوا بِالصَّبِرِ ).

وجاء نفسُ هذا المعنى و بتعبیر جمیل آخر، فی الآیة (21) من سورة النور، فیقول الله تعالى: (وَلَولا فَضلُ اللهِ عَلَیکُم وَرَحْمَتُهُ ما زَکّى مِنْکُم مِنْ أحَد أبَداً وَلَکنّ اللهَ یُزَکِّی مَنْ یَشاءُ... ).

و علیه، فإنّ سمُوّ الأخلاق و العمل و التّزکیة الکاملة لا تتمّ، إلاّ بالإیمان بالله ورحمته الواسعة.

وجاء نفس هذا المعنى فی سورة (الأعلى) فیقول الله تعالى:

(قَدْ أَفلَحَ مَن تَزَکّى * وَذَکَرَ إسمَ رَبّهِ فَصَلّى )(3).

فطبقاً لهذه الآیات، فإنّ التّزکیة الأخلاقیّة و العملیّة، لها علاقةٌ وثیقةٌ بإسم الله تعالى و الصّلاة والدّعاء، هذا إذا ما إستمدّت أسسها منه سُبحانه و تعالى، وحینها ستکون عمیقةً و دائمةً، وإذا ما إعتمدت على أسس اُخرى، فستکون واهیةً و عدیمة المحتوى.

فی الآیة (93) من سورة المائدة، جاء وصف جمیل، للعلاقة الوثیقة بین التّقوى والأعمال الأخلاقیّة بالإیمان: فقال الله تعالى: (لَیسَ عَلى الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِی ما طَعِمُوا إذا ما اتَّقَوا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتّقَوا وَآمَنُوا ثُمَّ اتّقَوا وَأحسَنُوا وَاللهُ یُحِبُّ الُمحسِنِینَ ).

فی هذه الآیة الشّریفة، تقدّمت التّقوى مرّة على الإیمان والعمل الصّالح، و تأخرت اُخرى، و تقدمت مرّةً على الإحسان، لأنّ التّقوى الأخلاقیّة و العملیّة تتقدم على الإیمان فی مرحلة ما، و هی التّحضیر لقبول الحقّ والإحساس بالمسؤولیّة للبحث عنه.

ثم إنّ الإنسان عندما یعرف الحقّ و یؤمن به، فستتکون فی نفسه مرحلةٌ أعلى و أقوى من التّقوى، و تکون مصدراً لأنواع الخیرات.

وبهذا التّرتیب، تتبیّن العلاقة الوثیقة بین الإیمان و التّقوى.

وخلاصة القول: إنّ أقوى وأفضل الدّعائم للأخلاق، هو الإیمان بالله، والإحساس بالمسؤولیّة تّجاهه، ومثل هذا الإیمان هو أبعد مدىً وأرحب اُفقاً من المسائل المادّیة، و لا یبدّل ولا یعوّض بشیء، فهو یرافق الإنسان فی کلّ مکان ولا ینفصل عنه أبداً، ولا یوجد شیء أفضلُ منه. ولذلک فإنّنا نرى، أنّ أقوى مظاهر الأخلاق، کالإیثار و التّضحیة تتجسّد فی حیاة أولیاء الله تعالى.

و نرى أیضاً، فی المجتمعات المادیّة التی توزِن کلّ شیء بمعیار النّفع، أنّ الأخلاق فیها ضعیفةٌ جدّاً، و فی الأغلب أنّ المعترف به رسمیّاً عند الجمیع، هو النّفع الشّخصی المادّی، فالصّدق والأمانة والوفاء وما شابه ذلک، هی أخلاق حسنةٌ و سلوکیّات جیدةٌ، ما دامت تعود بالنّفع على الفرد، و عند تعرّض النّفع المادی للخطر، فستفقد لونها وقیمتها!!.

فالأبوان العجوزان، و لعدم نفعهما، فمصیرهما أن یعیشا فی زاویة النسیان، و یتمّ نقلهما إلى مراکز و دور العجزة، لینتظرا أجلهما المحتوم.

و بمجرّد أنّ یبلغ الأطفال مرحلة الرّشد والمراهقة، فإنّ مصیرهم الانفصال عن اُسرهم، لا لکی یستقلّوا إقتصادیّاً، بل لکی یُنسوا إلى الأبد.

و کذلک الأزواج، فهم شرکاء فی الحیاة مادام فی الحیاة الزوجیة نفعٌ ولذّة، و إلاّ فلا حاجة إلى العلاقة الزّوجیّة و لا ضرورة للإلتزام بتبعاتها، ولذلک فإننا نرى أنّ الطّلاق هناک کأیسر ما یکون، و شایع إلى درجة خطیرة، ففی المذاهب المادیّة التی لا تقوم على أساس إلهی فی دائرة الأخلاق، یکون الإستشهاد لدیهم لنیل المقاصد السّامیة، هو الإنتحار بعینه، والکرم الذی یؤدی إلى تبذیر الأموال، لیس هو إلاّ نوعٌ من الجنون، و العّفة و الإستقامة على طریق الفضیلة، لیست هی إلاّ ضَعفٌ فی النّفس، و الزُّهد بالعالم المادی، لیس هو إلاّ سذاجةً و جهلا بالحیاة.

وما نراه الیوم من التنافس المحموم على المادیات، و مراکز القدرة فی هذه المجتمعات، ورؤساء تلک الدول، هو أفضل و خیر نموذج یعبّر عمّا لدیهم من معاییر للأخلاق المادیّة.

و الشّاهد على ذلک، ما یصدر من الإنتهازیّة و التّعامل المزدوج للقوى الإستعماریّة تجاه (حقوق الإنسان)، فعندما تکون حقوق الإنسان، سبباً لتعرّض منافعهم للخطر، فسوف یتجاهلونها ویجعلونها وراء ظهورهم، ویذبحون القیم الإنسانیّة على مذبح المصالح المادیّة.

فأخطر المجرمین والمعتدین على حقوق الإنسان، یصبحون مسالمین ومصلحین، وبالعکس فإنّ الشخص الذی یرید أن یدافع عن حقّه فی مقابلهم، یکون هو الشّیطان بعینه، ویجب أن یُقمع بأیّ وسیلة کانت.

فنراهم یدافعون عن الدیمقراطیّة و حکومة الشّعب، دفاعاً مُستمیتاً، وفی نفس الوقت نراهم و فی زاویة أخرى من العالم، یدافعون عن أسوَأ و أظلم المستبدّین الدیکتاتورییّن لا لشیء، الاّ لأن الأخلاق عندهم لیست هی: إلاّ النّفع فی بُعده المادی و الشّخصی. و الإنسان المادی لا یمتلک صورةً واضحةً عن الأخلاق فی دائرة التّعامل مع الآخرین، بل مفاهیم ضبابیّةً و صورةً قاتمةً.

و الملاحظة الاُخرى الّتی تجدر الإشارة إلیها، أنّ المادییّن لا یرون فی سلوکهم الأخلاقی، غیر زمانهم و مکانهم الّذی هم فیه الآن، ولا أهمیّة عندهم لما فَعل الماضون، و لا ما سیفعله اللاّحقون، إلاّ أن یکون له علاقةٌ بحاضرهم، و منطقهم یتمثّل به قول الشّاعر، حیث یقول:

إن أنا مِتُّ فلا *** طلعت شمس الضّحى على أحدِ

ولکن الموحّدین المعتقدین بالحیاة الآخرة، و محکمة العدل الإلهی فی یوم القیامة، یعتقدون أنّ معطیات الأخلاق وبرکاتها المعنویة، جاریة حتى بعد الممات، ولو إمتدّت لاِلاف السّنین، وسیثاب الإنسان علیها فی الاُخرى، ولذلک لا یتعاملون مع الواقع الدنیوی، من موقع الزّمان الحاضر فقط، بل من موقع التّفکیر فی الغد البعید والحیاة الخالدة.

وقد جاء فی الحدیث المعروف عن الرسول الکریم(صلى الله علیه وآله)، أنّه قال:

«إذا مات المؤمن إنقطع عمله إلاّ من ثلاث، صدقة جاریة ـ أی الوقف ـ أو علم یُنتفع به أو ولد صالح یدعو له»(3).

فالإیمان بالآخرة دافعٌ و حافزٌ آخر، للحثّ على الأعمال، الأخلاقیة المهمة، مثل الصّدقة الجاریة و الآثار العلمیّة المفیدة و تربیة الأولاد الصّالحین، و الحال أنّ لا مفهوم لهذه الاُمور لدى المادییّن.

و قد قسّم المرحوم الشّهید (مُطهّری)، فی کتاب «فلسفة الأخلاق»، الأنانیّة إلى ثلاثة أقسام: (للنّفس، وللعائلة، و للقومیّة)، وعدّها کلّها من الأنانیّة، التی تقف فی الطّرف المقابل للأخلاق، و نقل کلاماً عن «کوستاف لوبون»، فی کتابه المعروف (حضارة الإسلام و العرب)، ورأینا أن ننقله هنا إکمالا للفائدة.

فقد ذکر هذا الکاتب الغربی، فی معرض حدیثه عن الشّعوب الشرقیّة، و أنّهم لماذا وقفوا من الحضارة الغربیّة موقفاً سلبیّاً؟ فعللّ ذلک بالقول:

(أولا: لعدم القابلیّة لدیهم لإستقبال هذه الثّقافة، و ثانیاً: إنّ حیاتهم و معیشتهم تختلف عن حیاتنا و معیشتنا، فحیاتهم بسیطةُ و ساذجةٌ، بخلاف ما نحن علیه من التّعقید الحضاری فی واقع الحیاة، ثم یردف قائلا: و لا یخفى مدى الظّلم الذی إرتکبته الشّعوب الغربّیة فی حقهم. (وهو عامل مهم آخر).

و بعدها أشار إلى الظّلم الذی إرتکبه الغربیّون، فی أمریکا والهند و الصّین، و خصوصاً کان یؤکد على قصّة الحرب المعروفة، بـ : (حرب التّریاک)، التی شنّها الإنجلیز على شعب الصیّن، لأجل السّیطرة علیهم، فنشروا إستعمال التّریاک بین الشعب، لأجل التّسلط علیهم، ولیمیتوا فیهم روح المقاومة، و یکسروا شوکتهم، ولکنّ الصّینیین توجهّوا للخدعة، و تحرّکوا للتّصدی للإنجلیز، الذین صوّبوا مدافعهم، وإنتصروا علیهم بقوّة السّلاح الفتّاک، و إنتشر بین الأهالی إستعمال التّریاک، بحیث جاءت الإحصائیات: (فی ذلک الزمان)، أنه فی کل سنة یموت حوالی الـ (600) ألف نفر، جرّاء إستعمالهم للتّریاک.(5)

نعم فعندما لا تقوم الأخلاق على قاعدة متماسکة، من الإیمان و القیم المعنویّة فی واقع الإنسان، فسوف تأخذ بالذّبول و التّراجع، لصالح المنافع الشّخصیّة و النّوازع الدنیویّة العاجلة.

 


1. سورة ابراهیم، الآیة 24 و 25.
2. إختلف المفسّرون فی ماهو المقصود من الشّجرة الطیّبة؟، و هل یوجد مثل هذا التشبیه فی الخارج أم لا؟. و هنا کلام کثیر، فالبعض قال: أنّ الشجرة الطیّبة هی کلمة لا إله إلاّ الله، وبعض قال: أنّها أوامر الباری تعالى، و آخَرون قالوا أنّها الإیمان، و فی الواقع أنّ هذه کلّها تعود إلى حقیقة واحدة، و إختلفوا أیضاً فی هل أنّ هذه الشجرِة لها واقع خارجی، و أنّ أصلها ثابت فی الأرض وأوراقها وفروعها فی السّماء ومثمرة فی کلّ وقت و حِین، حقیقةً، أو لا؟.
ولکن یجب أن لا ننسى أنّ کلّ تشبیه لا یتوجب أن یکون له وجود خارجی، فعندما نقول: أنّ القرآن الکریم کشمس لا غروب لها، و بالطّبع فلا وجود للشّمس التی لا غروب لها، و القصد من ذلک هو التّشبیه بالشمس لا أکثر، حیث یمکن أن تختلف خصائص هذه الشمس فی الخارج.
3. سورة الأعلى، الآیة 14 و 15.
4. بحار الأنوار، ج2، ص42.
5. فلسفة الأخلاق، ص283 بتضرّف.
3 ـ دعامة الشخصیّةملاحظة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma