ذکر علماء الأخلاق، درجات و مراتب مختلفة للتّوبة و التّائبین.
و یمکن تقسیم التّائبین من جهة، إلى أربعة أقسام:
القسم الأوّل: اُولئک التّائِبون الذین لا یقلعون عن الذنوب، ولا یتأسفون على ما فعلوا، حیث وقفوا عند مرحلة النّفس الأمّارة، وعاقبتهم غیر معلومة أصلاً، فَمِن المُمکن أن یعیش حالةَ التّوبة فی آخر أیّام حیاته ، و تکون عاقبته الحُسنى، ولکنّ الطامّة الکبرى، عندما یتفق موتهم مع معاودتهم للذنب، وهناک ستکون عاقبتهم السّوآى، و فیها الخُسران الأبدی.
القسم الثانی: التّائبون بحق الّذین یستمرون فی طریق الحقّ و الطّاعة، و یتحرّکون فی خطّ الإستقامة، ولکن الشّهوات تغلبهم أحیاناً، فیکسرون طوق التّوبة، و یرتکبون بعض الذّنوب، من موقع الشّعور بالضّعف أمامها، ولکنّهم لا یقعون فی هذا الخطأ، من موقع الّتمرد و الجُحود و العِناد، على وعی الموقف، بل من موقع الغفلة و الإندفاع العفوی فی حالات الضّعف، الّتی تفرزها حالات الصّراع مع النّفس الأمّارة، و لهذا یحدثون أنفسهم بالتّوبة من قریب، هؤلاء الأشخاص وصلوا إلى مرحلة النّفس اللّوامة، و الأمل بنجاتهم أقوى.
القسم الثّالث: التوّابون الذین یجتنبون کَبائِر الإثم، و یتمسّکون باُصول الطّاعات، ولکنهم قد یقعون فی حبائل المعصیة، لا عن قصد و عمد، ولذلک یتوبون مباشرةً عن الذّنب، فیلومون أنفسهم و یعزمون على التّوبة والعودة إلى خطّ الإستقامة بإستمرار، و یعیشون حالة الإبتعاد عن الذّنب دائماً.
النّفس اللّوامة لهذه المجموعة، مهیمنةٌ علیهم، و یعیشون على مقربة من النّفس المُطمئنّة، و الأمل بنجاتهم أکبر.
القسم الرابع: التّوابون بعزم و قوة إرادة، فی طریق الطّاعة لله تعالى، فلا تهزّهم العَواصف التی تفرضها حالات الصّراع مع الخَطیئة، و لا یخرجون من أجواء التّقوى، صحیح أنّهم لیسوا بمعصومین، و لَرُبّما فکّروا بالمعصیة، ولکنّهم محصّنین مُبعدین عنها، فَقِوى الإیمان و العقل عندهم، سَلبت هوى النّفس فاعلیّته فی واقعهم الباطنی، و کبّلته بالسّلاسل الغلاظ، فی خطّ التّزکیة و الجهاد الأکبر، فلا سبیل للشّیطان و الأهواء علیهم.
فاُولئک هم أصحاب: «النّفوس المطمئنّة»، الذین نعتتهم الآیات (27 الى 30) من سورة الفَجر، و خُوطِبوا بأبلغ خِطاب، فقال عز من قائل: (یا أَیَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَةُ آرجِعِی إِلَى رَبِّکِ راضِیَةً مَرْضِیِّةً ).
فدخلت بإفتخار فی أجواء النّور و القُرب الإلهی: (فَآدْخُلِی فِی عِبادِی و آدْخُلی جَنَّتِی ).
و من جهة اُخرى، فإنّ لِلتوبةِ مراحل على مستوى المصادیق أیضاً:
المرحلة الاُولى: التّوبة من الکفر إلى الإیمان.
المرحلة الثّانیة: التّوبة من الإیمان الموروث التّقلیدی، و التّحرک نحو الإیمان الحقیقی المُستحکم.
المرحلة الثّالثة: التّوبة من الذّنوب الکبیرة الخَطرة.
المرحلة الرّابعة: التّوبة من الذّنوب الصّغیرة.
المرحلة الخامسة: التّوبة من التّفکیر بالذّنب، و الخواطر المشوبة بالمعصیة، و إن لم یرتکب الُمخالفة فی دائرة الفعل و المُمارسة.
فکلّ فرقة من العباد لهم توبة، فتوبة الأنبیاء من إضطراب السّر، (فی کلّ لحظة لم یتوجهوا فیها إلى الله تعالى بالباطن والسِّر).
و توبةُ الأصفیاء من کلّ تنفّس بغیر ذکر الله.
و توبةُ الأولیاء من تلوین الخطرات.
و الخَواص من الإشتغال بغیر الله.
و توبة العوام من الذّنوب.
و کلّ واحد منهم، یشتمل على نوع من المعرفة و العلم، فی أصل توبته، و مُنتهى أمره.
1. فسّر المرحوم المجلسی: التّنفس بنفس ذلک المعنى، ولکنّ بعض کتب اللّغة، فسّرته: بالخطابات الطّویلة.
2. بحار الأنوار، 68، ص31.
