لهذه المسألة، صَداً وَاسعاً فی الرّوایات الإسلامیّة، و نشیر إلى بعض منها، تارکین التّفاصیل إلى البحوث الموسّعة:
1 ـ أشارت جمیع الرّوایات الإسلامیّة، التی تناولت فلسفة الأحکام، إلى دور العبادة فی تَهذیب النّفوس و صفاء القلوب، فقال الإمام علی(علیه السلام)، فی قِصار کلماته:
«فَرَضَ اللهُ الإِیمانَ تَطْهِیراً مِنَ الشِّرکِ، والصَّلاةَ تَنْزِیهاً عَنِ الکِبْرِ وَالزَّکاةَ تَسبِیباً لِلرِّزْقِ وَالصِّیامَ إِبتِلاءً لاِِخلاصِ الخَلْقِ»(1).
وَ وَرد نفس هذا المعنى، مع إختلاف بسیط فی خُطبة الزّهراء(علیها السلام) فإنّها تقول: «فَجَعَلَ اللهُ الإِیمانَ تَطْهِیراً مِنَ الشِّرکِ، والصَّلاةَ تَنْزِیهاً عَنِ الکِبْرِ وَالزَّکاةَ تَزکِیَّةً لِلنَّفْسِ وَنَماءً فی الرِّزْقِ وَالصِّیامَ تَثبیتاً لِلإِخلاصِ»(2).
2 ـ و یشبّه الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) الصّلاة بنهر جاری، یتولى تطهیر البدن کلّ یوم خمس مرّات، حیث یقول: «إِنّما مَثلُ الصَّلاةِ فِیکُم کَمَثلَ السّری ـ وهو النهر ـ عَلى بابِ أَحَدِکُم یَخرُجُ إِلَیهِ فی الیَومِ وَاللَّیلَةُ، یَغْتَسِلُ مِنْهُ خَمسُ مرّات، فَلا یَبْقى الدَّرنُ عَلَى الغَسلِ خَمْسُ مرّات، وَلَم تَبْقَ الذُّنُوبُ عَلى الصَّلاةِ خَمسُ مِّرات»(3).
و علیه فقد ذکرت هذه الرّوایات، لکلّ عبادة: دوراً خاصّاً فی عملیّة تهذیب النّفوس الإنسانیّة.
3 ـ وَ وَرد فی حدیث آخر عن الإمام الرضا(علیه السلام)، یشرح فیه السّبب، الذی شرّع الله تعالى بِسَببِه العبادة، فیقول:
«فَإنْ قالَ فَلِمَ تَعبَّدَهُم؟ قِیلَ لِئَلا یَکُونُوا نـاسِینَ لِذِکْرِهِ وَِلا تارِکِینَ لاَِدَبِهِ وَ لا لاهِینَ عَنْ أَمْرِهِ وَنَهْیهِ إِذا کانَ فِیهِ صَلاحُهُم وَقِوامُهُم، فَلَو تُرِکُوا بِغَیرِ تَعَبُّد لَطالَ عَلَیهِم الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُم»(4).
فیتّضح من ذلک أنّ العبادة، تجلو القلب و تُبلوِر الرّوح و تَحثّ على ذکر الله تعالى، الذی هو
مدعاة لإصلاح الظاهر والباطن.
4 ـ وَ وَرد فی حدیث آخر، عن الإمام الرّضا(علیه السلام)، و فی مَعرض حدیثه لإحصاء فوائد الصّلاة، أنّه قال:
«مَعَ ما فِیهِ مِنَ الإِیجابِ وَالمُداوَمَةِ عَلى ذِکْرِ اللهِ عَزَّوَجَلَّ بِاللَّیلِ وَالنَّهارِ لِئَلا یَنْسَى العَبْدُ سَیِّدَهُ وَمُدَبِّرَهُ وَخَالِقَهُ، فَیَبْطُرَ وَیَطْغى وَیَکُونَ فِی ذِکْرِهِ لِرَبِّهِ وَقِیامِهِ بَینَ یَدَیهِ زاجِراً لَهُ عَنِ المَعاصِی وَ مانِعاً لَهُ عَنْ أَنْواعِ الفَسادِ»(5).
5 ـ وَ وَرد عن الإمام الصادق(علیه السلام)، فی دور الصّلاة و میزان قبولها، أنّه قال:
«مَنْ أَحَبَّ أَنْ یَعْلَمَ أَنْ قُبِلَتْ صَلاتُهُ أَمْ لَم تُقْبَلْ فَلْیَنْظُرْ هَلْ مَنَعَتْ صَلاتُهُ عِنَ الفَحشاءِ وَالمُنْکَرِ، فَبِقَدَرِ ما مَنَعَتْهُ قُبِلَتْ»(6).
فهذا الحدیث یُبیّن بوضوح، أنّ صحّة الصّلاة و قبولها، لها علاقةٌ طردیّةٌ بالأخلاق و الدّعوة إلى الخیر و ترک الشّر، و من لم تؤثّر صلاته، فی تفعیل عناصر الخیر و الصّلاح فی وجدانه، فعلیه أن یعید النّظر فیها حتماً، لأنّها وإن کانت مسقطة للتکلیف، إلاّ أنّها غیر مقبولة لدى الباری تعالى.
6 ـ و فی فلسفة الصّیام، قال الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله):
«إِنَّ الصَّومَ یُمِیتُ مُرادَ النَّفْسِ وَشَهْوَةَ الطَّبْعِ الحَیوانِی، وَ فِیهِ صَفاءُ القَلْبِ وَطَهارَةِ الجَواِحِ وَ عَمارَةُ الظَّاهِر وَ الباطِنِ، وَالشُّکْرُ عَلَى النِّعَمِ، وَالإِحْسانِ إِلى الفُقَراءِ، وَزِیادَةُ التَّضَرُّعِ وَالخُشُوعِ، وَالبُکَاءِ وَجَعَلَ الإِلتِجاءِ إِلى اللهِ، وَسَبَبُ إِنْکِسارِ الهِمَّةِ، وَتَخْفِیفِ السَّیِّئاتِ، وَتَضعِیفِ الحَسَناِتِ وَ فِیهِ مِنَ الفَوائِدِ ما لا یُحْصى»(7).
فقد ذکر هذا الحدیث الشّریف، أربعة عشر صفةً إیجابیةً للصّوم فی واقع النّفس، و هی مجموعةٌ من الفضائل و الأفعال الأخلاقیّة، تصعد بالإنسان فی مدارج الکمال المعنوی و الإلهی.
7 ـ و نختم هذا البحث الواسع، بحدیث عن أمیر المؤمنین(علیه السلام)، أنّه قال: «دَوامُ العِبادَةِ بُرهانُ الظَّفَرِ بِالسَّعادَةِ»(8).
و من أراد التّفصیل أکثر فلیراجع: «وسائل الشّیعة»، الأبواب الاُولى من العِبادات، و کذلک ما ورد فی: «بحار الأنوار».
نعم فإنّ کلّ من یطلب السّعادة، علیه أن یتحرک بإتّجاه توثیق العلاقة مع الله تعالى، من موقع الدّعاء و العبادة.
—–