الخطوة الثّالثة: المراقبة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأخلاق فی القرآن 1
الخطوة الثّانیة: المشارطةالخطوة الرّابعة: المحاسبة

«المُراقبة» من مادة: «الرَقَبَة»، و بما أنّ الإنسان یحنی رقبته عند مراقبة الأشیاء و الأوضاع، فاُطلِقَت على کلّ أمر یُحتاج فیه إلى المواظبة و التّحقیق.

و هذا المُصطلح عند علماء الأَخلاق، یُطلق على «مراقبة النّفس»، و هی مرحلةٌ تالیةٌ لمرحلة المُشارطة، یعنی أنّه یتوجّب على الإنسان، و بعد مُعاهدته و مُشارطته لنفسه بالطّاعة

للأوامر الإلهیّة، و الإجتناب عن الذّنوب، علیه المُراقبة و المُواظبة على طهارته المعنویة، لأنّه فی أدنى غفلة، فإنّ النّفس ستَنقُض کلّ العُهود و المواثیق، و تَسلُک به فی خطّ المعصیة مرّةً اُخرى.

و طبعاً یجب أن لا ننسى، أنّ الإنسان و قبل مراقبته لِنفسه، فإنّ الملائکة تراقب أعماله، فیقول القرآن الکریم: (وإنّ عَلَیکُم لَحافِظِینَ )(1).

فالحافظون هنا هم الذین یتولون عملیة المراقبة لأعمال الإنسان، و ذلک بقرینة الآیات التی تردُ بعدها، فتقول: (یَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ )(2).

وفی الآیة (18) من سورة (ق) یقول تعالى: (ما یَلْفِظُ مِنْ قَول إِلاَّ لَدَیهِ رَقِیبٌ عَتِیدٌ ).

و فوق هذا و ذاک، فإنّ الله تعالى مِن ورائهم محیط بکلّ شیء، و فی الآیة (1) من سورة النساء، نقرأ: (إنَّ اللهَ کانَ عَلَیکُم رَقِیباً ).

و کذلک فی سورة الأحزاب، الآیة (52): (وَکانَ اللهُ عَلَى کُلِّ شَیء رَقِیباً ).

و فی الآیة (14) من سورة العلق: (أَلَم یَعْلَم بِأَنَّ اللهَ یَرى ).

و الآیة (21) من سورة سَبأ: (وَرَبُّکَ عَلى کُلِّ شَیء حَفِیظٌ ).

ولکن المحلّقین فی أجواء التّقوى و تهذیب النّفس، یراقبون أفعالهم و سلوکیاتهم، قبل مراقبة الله تعالى لهم، و یعیشون الوَجَلَ و الخَوف من أعمالهم و فعالهم، و فی مُراقبة دائمة، لِئَلاّ یصدر منهم ما یسلب تلک النّعمة، و الحالة العرفانیّة التی یعیشونها مع الله تعالى شأنه.

أو بعبارة اُخرى: الرّقیب الباطنی یعیش معهم وعلى یقظة دائماً، بالإضافة إلى الرّقابة الخارجیّة، و خوف الله تعالى.

و فی الحقیقة، فإنّ الإنسان فی هذه الدنیا، حاله حالَ الذی یمتلک جوهرةً ثمینةً، یرید أن یقایضها بمتاع له ولعیالِه، و من حَوالَیهِ السرّاق و قطاعُ الطّریق، و یخاف علیها من السّرقة أو البیع بِثَمن بَخْس، و إن غفل عنها لِلَحظة فسیُضَیّعها، و تذهب نفسه علیها حَسرات.

 

و السّائر فی خطّ التّوبة و المراقبة، یعیش الحالة هذه أیضاً، فإنّ الشّیاطین من الجِنّ و الإنس مُترصّدون لِغوایته، هذا بالإضافة إلى النّفس الأمّارة، و هوى النّفس، فإذا لم یُراقب نفسه و أعماله، فلا یأمن معها، مِنْ أن تسرق جوهرة الإیمان و التّقوى، و ینتقل من هذه الدنیا، خالی الوفاض وصفَر الیدین، و فی الآیات و الرّوایات إشاراتٌ کثیرةٌ، و تلمیحاتٌ متنوعةٌ حول هذه المرحلة، ومنها:

1 ـ الآیة (14) من سورة العَلَق: (أَلَمْ یَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ یَرى ).

فهی إشارةٌ إلى مراقبة الله تعالى لَه، وعلیه مُراقبة أعماله أیضاً.

وَوَجَّه فی آیَة اُخرى الخطاب لِلمؤمنین: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اْتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد وَ آتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُون )(3).

فَجُملة: (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد... )، تبیّن لنا فی الحقیقة مفهوم المراقبة للنفس، على مستوى السّلوک و العمل.

وَ وَرَد نفس المعنى، ولکن بشکل مُقتضب، فی سورة عَبَس، الآیة (24): (فَلْیَنْظُرْ آلاِْنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ )، (من الحلال والحرام)(4).

2 ـ ورد عن رسول الله(صلى الله علیه وآله)، فی تفسیر الإحسان فی الآیة: (إِنَّ اللهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ )، فقال: «الإحسانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ کَأَنَّکَ تَراهُ فَإِنْ لَم تَکُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ یَراکَ»(5).

و من الطّبیعی فإنّ المُعایشة مع هذه الحقیقة، و هی أنّ البّاری تعالى معنا أینما کُنّا، و الرّقیب علینا، من شأنه أن یخلق فینا روح الرّقابة، و نکون معها دائبین على الإنسجام، مع خطّ الرّسالة من موقع الإلتزام.

3 ـ ورد حدیثٌ عن أمیر المؤمنین(علیه السلام)، أنّه قال: «یَنْبَغِی أَنْ یَکُونَ الرَّجُلُ مُهَیمِناً عَلى نَفْسِهِ مُراقِبَاً قَلْبَهُ، حافِظاً لِسانَهُ»(6).

4 ـ جاء عن الإمام الصادق(علیه السلام): «مَنْ رعى قَلْبَهُ عَنِ الغَفلَةِ وَنَفْسَهُ عَنِ الشّهْوَةِ وَعَقْلَهُ عَنِ الجَهْلِ، فَقَدْ دَخَلَ فی دِیوانِ المتَنَبِّهینَ ثُمَّ مَنْ رعى عَمَلَهُ عَنِ الهوى، وَدِیْنَهُ عَنِ البِدعَةِ وَ مالَهُ عَنِ الحَرامِ; فَهُوَ مِنْ جُملَةِ الصَّالِحِینَ»(7).

5 ـ ما ورد فی الحدیث القُدسی: «بُؤساً لِلقانِطِینَ مِنْ رَحْمَتِی وَیا بُؤساً لَمَنْ عصانی وَلمْ یُراقِبُنی»(8).

6 ـ جاء فی إحدى خطب أمیر المؤمنین(علیه السلام)، أنّه قال: «فَرَحِمَ اللهُ إمرءاً رَاقَبَ رَبَّهُ وَتَنکَّبَ ذَنْبَهُ، وَکابَرَ هَواهُ ، وَکَذَّبَ مُناهُ»(9).

7 ـ وقد ورد فی نهج البلاغة أیضاً: «فإتَّقُوا اللهَ عِبـادَ اللهِ تَقِیَّةَ ذِی لُبٍّ شَغَلَ التَّفَکُّرَ قَلْبَهُ... وَرَاقَبَ فِی یَومِهِ غَدَهُ»(10).

نعم فإنّ «الرقابة» على النفس أو المُراقبة لله تعالى، أو لیوم القیامة، کلّها تعکس حقیقةً واحدةً، ألا و هی النّظارة و الرّقابة الفاحصة الدّقیقة الشّدیدة للإنسان على أعماله، فی کلّ حال و زمان و مکان.

و خلاصة القول: إنّ السّائر إلى الله تعالى، و بعد «المشارطة» مع نفسه وربّه، وبعد تهذیب النفس وتربیتها على طاعة الله و عبودیّته، علیه المراقبة والمداومة على العهد الذی قطعه على نفسه فی خطّ التوبة، کالّدائن الذی یطلب من مدینه وفاء دیونه، فأیّ غفلة عن مخاطر المسیر، ستعود علیه بالضّرر الفاحش، و تؤخره عن الرّکب کثیراً.

—–


1. سورة الإنفطار، الآیة 10.
2. سورة الإنفطار، الآیة 12.
3. سورة الحشر، الآیة 18.
4. هذا على ما جاء فی بعض التّفاسیر، وقد جاء فی تفاسیر اُخرى، أنّ المقصود هو النّظر و الإعتبار بخلقة الله تعالى، لإنکشاف الآیات و الملاحظات التّوحیدیة عند الإنسان، ولا تنافی بین التّفسیرین.
5. کنز العمّال، ج3، ص22، ح5254; بحار الأنوار، ج25، ص204.
6. غُرر الحِکَم.
7. بحار الأنوار، ج97، ص68.
8. المصدر السابق، ج74، ص349.
9. اُصول الکافی، ج2، ص67.
10. نهج البلاغة، الخطبة 83، «الخطبة الغرّاء».

 

الخطوة الثّانیة: المشارطةالخطوة الرّابعة: المحاسبة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma